الأحد، 8 يناير 2012

حتي لا تأكلنا الذئاب - منتديات بنات حمص


حتي لا تأكلنا الذئاب
بقلم الدكتور:
أحمد عمر هاشم الرئيس الأسبق لجامعة الازهر

أمر القرآن الكريم المؤمنين أن يعتصموا بحبل الله جميعا. فقال جل شأنه:

"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" "آل عمران: 103".

وفي دعوة القرآن الكريم لوحدة الأمة توضيح للأساس الذي تنهض عليه هذه الوحدة. وهو الدين والاعتصام به وبكتاب الله تعالي الذي هو سبب النجاة. ووضح القرآن هذا الأساس محذرا من التفرقة. لما لها من أخطار محدقة. وذكر سبحانه وتعالي هذه الأمة بما كان عليه الأوس والخزرج قديما. حيث استمرت الحروب بينهم مائة وعشرين سنة. حتي جاء الإسلام فأخمدها وجمعهم علي الحق وألف بينهم.

وترسيخا لأسس هذه الوحدة كلف الله الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتصارا للدين وإقامة لقوته ودفعا لآفات الشر والفساد التي قد تثار حول حماه. أو ترتكب في الوطن الإسلامي. وضرب القرآن الكريم المثل بمن قبلنا حين اختلفوا بعد أن جاءتهم البينات فكان لهم الوعيد الشديد.
عن تلك الملامح كلها تحدث القرآن الكريم حديثا شافيا. فقال جل شأنه:

"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" "آل عمران: 103 - 105".

كما وضح الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن الاعتصام بدين الله وكتابه مما يرضاه الله تعالي لهذه الأمة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله يرضي لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا. فيرضي لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأن تعتصموا بحبل الله جميعها ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال. وكثرة السؤال وإضاعة المال".

وقد وضح رب العزة سبحانه في كتابه العزيز أن الدين واحد. وأن الأمة واحدة تتفق علي الإيمان والتوحيد في العبادة. مشيرا إلي حال بعض الأمم حين اختلفوا فتقطعوا قطعا. قال تعالي:

"وإن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون. فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون. فذرهم في غمرتهم حتي حين" "المؤمنون: 54-55"

وحذر الرسول صلي الله عليه وسلم من الخروج علي الطاعة ومفارقة الجماعة حيث قال صلي الله عليه وسلم:

"من خرج علي الطاعة وفارق الجماعة فمات. مات ميتة جاهلية".

كما أعلن صلي الله عليه وسلم براءته ممن يخالف الجماعة ويفرق الصفوف ويضرب هذه الأمة: برها وفاجرها. ولا يفي لصاحب العهد بعهده. فقال - صلوات الله وسلامه عليه:

"من خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها. لا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه".

ويوضح القرآن الكريم نهاية من يشاقق الرسول وينفصل عن سبيل المؤمنين. فيقول:

"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيراً" "النساء: 115".

وفي الحديث يقول الرسول صلي الله عليه وسلم

"يد الله مع الجماعة. ومن شذ شذ في النار".

والناظر إلي جميع التعاليم الإسلامية يري أنها تدعو إلي التأليف بين القلوب وجمع الصفوف. ففي جانب العقيدة: نؤمن بالله وحده لا شريك له. ونتجه جميعا إليه معلنين في كل صلاة:

"إياك نعبد وإياك نستعين" "الفاتحة: 5".

إنها عقيدة التوحيد التي تجمعنا ولا تفرقنا. وفي ظلالها ننضوي تحت راية

"لا إله إلا الله محمد رسول الله"

فنؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. حلوه ومره.

وفي جانب العبادات: نقيم الصلاة ونؤدي الزكاة ونصوم رمضان ونجح البيت إن استطعنا إليه سبيلا. وفي صلاتنا يزداد الأجر والثواب حين يؤدي الإنسان صلاته في جماعة فتفضل صلاة الفذ - أي الفرد - بخمس وعشرين درجة. وفي رواية للحديث "بسبع وعشرين درجة" مع أن الصلاة هي الصلاة وعدد الركعات لم يزد ولم يتغير.

وفي صلاة الجمعة اجتماع أسبوعي أكبر. وفي صلاة العيدين اجتماع علي مستوي أكبر وأكبر.
وفي أداء الزكاة تكافل اجتماعي وتراحم وتواد بين الغني والفقير. وتقريب بين الناس وتوحيد بين المشاعر علي الألفة والتعاون.


وفي الصيام غرس لمعاني الوحدة. ففي وقت واحد يمسك المسلمون عن المفطرات. وفي وقت واحد يفطرون. وفيه إحساس بالحرمان والجوع. وحث علي البذل والإنفاق.

وفي الحج اجتماع كبير لأكبر عدد ممكن من مختلف الأقطار الإسلامية والبلاد. ومن شتي الألوان والأجناس.

وفي جانب الأخلاق. يدعو الرسول صلوات الله وسلامه عليه. أمته أن تكون يدا واحدة في المودة والرحمة والعطف. فيقول صلي الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي".

ويعمق الإسلام مفهوم الوحدة بأقوي رباط ينبغي ألا ينساه أحد. ذلك هو رباط العقيدة التي يؤمنون فيها بالله ربا. فربهم واحد. وأبوهم - وهو آدم - واحد. إنه رباط وثيق ينتظمون تحت لوائه مهما تباعدت الديار وتناءت الأقطار واختلفت اللغات والألوان. قال صلي الله عليه وسلم:

"يا أيها الناس. ألا إن ربكم واحد. وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي علي أعجمي. ولا لعجمي علي عربي. ولا لأحمر علي أسود. ولا لأسود علي أحمر - إلا بالتقوي".

محاولات الخصوم
وينبغي أن ننبه إلي أن أعداء الأمة قد زرعوا في طريق وحدتها عقبات. منها العقبات الحسية والعوائق المادية. فقبل أن يخرجوا من بعض البلاد تركوا بعض المواقع لدي الحدود لتظل العلاقات متوترة. ولم يحسموها ابتغاء زرع الخلافات كما نري بعض العقبات المعنوية والفكرية. مثل تيارات الوجودية والشيوعية والماسونية والقاديانية والبهائية. إلي غير ذلك من التيارات المتصارعة التي تعمل علي تفتيت وحدة الأمة.

بل إن بعض المستشرقين درس علوم الإسلام وتصيد بعض الخلافات اليسيرة ليضخم بها الخلاف وليحدث بها شروخا بين فصائل الشباب المسلم. وكان علي المفكرين والإسلاميين والدعاة والمصلحين. أن يشخصوا الداء وأن يصفوا الدواء.

- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

ليست هناك تعليقات: