الأربعاء، 13 يوليو 2011

هل تتخيلوا أن تعاقب الشمس لأنها تنثر الضوء، والسماء لأنها ترسل المطر للأرض؟

هل تتخيلوا أن تذبح العصافير عقاباً على شدوها، ويمنع العطر خوفاً من رائحته من الانتشار، هل تتخيلوا أن تعاقب الشمس لأنها تنثر الضوء، والسماء لأنها ترسل المطر للأرض؟
هكذا حصل تماماً في مدينة حماة السورية حين ذبح «الشبيحة» التابعون للنظام السوري المطرب الشعبي إبراهيم قاشوش الذي صدحت حنجرته بأغان ضد النظام الديكتاتوري في ساحة العاصي وسط المدينة، وردد مئات الآلاف من المتظاهرين أغانيه وهتافاته، ليس فقط في حماة بل في أغلب المدن والقرى السورية.
منذ أيام وقبل جمعة «ارحل» استيقظ أهالي حماة لتفاجئهم جثة المغني تطفو على نهر العاصي، ووفق ما نشره أقاربه على صفحته على موقع الفيس بوك أنه وفي صباح يوم الخميس 7 يوليو خرج الشهيد متوجهاً إلى عمله، وفي طريقه الى مكان عمله تم اختطافه من قبل قوات الأمن، ليذبح بطريقة همجية حيث شقت حنجرته بالسكين من الوريد الى الوريد، ومزق جسده بالرصاص المتفجر، ومن ثم رموه في نهر العاصي.
وفي جمعة «ارحل» أي قبل يومين من اغتياله قاد هذا المغني عراضة حموية غنى فيها بصوته الأجش أجمل الشعارات التي تدعو للوحدة الوطنية وتطالب نظام «البعث» بالرحيل.
لم تمض ساعات على إعلان نبأ اغتيال المغني حتى سارع أصدقاؤه بإنشاء صفحة خاصة به على الفيس بوك «كلنا الشهيد البطل ابراهيم قاشوش» متأثرين بالحدث، وتكريماً لروحه الطاهرة التي اغتيلت بغدر، وانضم إليها أكثر من أربعة آلاف عضو في أقل من 24 ساعة.
قاشوش لم يحمل السلاح، ولم ينضم إلى العصابات المسلحة، لكن صوته أزعج النظام السوري فقرر كتمه إلى الأبد، وهو صاحب أجمل المقاطع الغنائية التي رددت في مدينة حماة، حيث ردد خلال مظاهرات الأسابيع المنصرمة أجمل شعارات وأغاني الحرية في ساحة العاصي، حتى أصبح يقود مئات الآلاف من المتظاهرين في حماة.
ذنب إبراهيم قاشوش الوحيد أنه صدح بصوته في ليالي الحرية في حماة، كتب وأطلق الأهازيج الثورية التي تناقلها السوريون وأصدقاؤهم عبر العالم، لينال لقب مغني «الثورة السورية» من قبل الملايين.
ما حصل لهذا المطرب السوري، لم يكن اول حادثة اغتيال لفنان في التاريخ فقبل أن يقتل النظام السوري و«شبيحته» هذا المغني، وقبل نحو أربعين عاماً، قتل نظام الديكتاتور بينوشيه في تشيلي المطرب فيكتور جارا، الذي غنى للحرية والثورة وردد مئات الآلاف قبل وبعد موته أغانيه في تشيلي وفي بقية دول أميركا اللاتينية. وقد قيل عنه «حين يغني كان يرتفع مدّ العشق في دمه حتى يغطي غابات المطر، ومدن الصفيح، وأجساد الأطفال العارية، حين كان يغني، كانت أوتار الغيتار تدمي أطراف أصابعه، حتى يصحو فلا يصحو الكون، كان حين يغني تنكسر السماء، ويسيل خيط من الدمع نحو الأرض فيخصب التراب، وتتلون الضياع البعيدة بالألق».
بين جثث الشهداء السوريين في حماة اليوم، وهي المدينة التي تعرضت قبل ثلاثين عاما لمجزرة مروعة راح ضحيتها نحو ثلاثين الف شخص من ابناء المدينة وسويت بيوتها بالأرض، تنبض تحت الأرض آلاف القلوب، وفي السماء يصدح صوت ابراهيم قاشوش، يمتد إلى كل المدن والبلدات السورية، من درعا جنوباً إلى جسر الشغور شمالاً، الى القامشلي شرقاً، واللاذقية غرباً، يمتد صوته في الأفق فتمتلئ السماء بالعصافير والبلابل.
حنجرة ابراهيم قاشوش، التي مزقتها يد الظلم، منحتنا نسائم الحرية، ورغم أن القتلة قادرون على ذبح الحنجرة وصاحب الحنجرة لكنهم لن يستطيعوا منع حناجرنا من ترديد الأغنية، لأنهم لن يقدروا على منع الريح من حمل الأغاني. والحمقى «الشبيحة» منحوه في جريمتهم، ألف عمر، منحوا أغانيه الخلود والشباب والجمال والنقاء. الطغاة و«الشبيحة» لا يفهموا الأغاني والأناشيد، لا يفهموا أنه لو قتلوا المغني ستبقى الأغاني كما قال وغنى يوماً الفنان سميح شقير:
«لو رحل صوتي ما بترحل حناجركم
عيوني على بكرا وقلبي معكم
لو راح المغني بتظل الأغاني»

الشهيد ابرهيم قاشوش





حماة الشهيد ابرهيم قاشوش اللذي ذبح على يد الأمن 4 7 2011 +18