الخميس، 9 فبراير 2012

( زايو ) الصينية .. و( نوير ) السعودية

( زايو ) الصينية .. و( نوير ) السعودية: (زايولينغ) فتاة صينية تبلغ من العمر 25عاما..

ترعرعت في أسرة ريفية بسيطة ,وحينما أكملت دراستها الثانوية، عملت في أحد المصانع حتى بلغت الرابعة والعشرين من العمر، ثم انتقلت إلى مدينة (زهونغشام) بجنوبي الصين وهناك التقت برجل يدعى (وانغ كيزهي).

وبدأت فصول النهاية المؤلمة..

حيث ارتبطت (زايو) مع (وانغ) بعلاقة صداقة - والصداقة في تلك البلدان هي البديل الأسهل للزواج - .

وبعد فترة سعت (زايو) للانفصال عن هذا الرجل عندما اكتشفت أنه تاجر مخدرات ولكنه تمكن من استمالتها مجددا.

و في شهر يناير 2002 ، تمكن (وانغ) من إقناعها بنقل شحنة من الهيروين كانت مخبأة في فرن مايكروويف من مدينة (غوانغزهاو) إلى (ووهان) وتسليمها في أحد الفنادق.

ثم قامت بنقل شحنتين أخريين لصالحه في شهري فبراير ومارس,غير أنه تم اعتقالها خلال الرحلة الثالثة وتم ضبط 7 كيلو من الهيرويين في حوزتها.

لم تنته الحكاية..

فــ(الصديق المزعوم) ترك (زايو) تواجه التهمة وحيدة وتمكن هو من الهرب, ولم يتم القبض عليه حتى هذه اللحظة !!

وفي أثناء التحقيق نصحها المحققون بأن تعترف بجرمها بأمل الفوز بحكم مخفف, فاعترفت, وفي شهر سبتمبر 2002وأثناء محاكمتها، توسلت (زايو) للقاضي ودموعها تغرق وجنتيها قائلة:

(أرجوك امنحني فرصة ثانية في الحياة, إنني ارغب في الحياة, إنني مازلت شابة صغيرة).

لكن القاضي أصدر عليها حكما بالإعدام .

ورغم ذلك إلا أن (زايو) الفتاة الريفية الغافلة البريئة كانت على قناعة تامة أن الحكم سيتم نقضه, فلم يخطر ببالها أن يضيع عمرها بهذه البساطة, وكانت تقول لصديقاتها من النزيلات: (سيكون عمري 40 عاما فقط عندما يتم إخلاء سبيلي) وأضطر الحارسات لتشجيعها على الاقتناع بالنقض شفقة بها.

لكن في في 24 يونيو 2003 وبعد تسعة أشهر من محاكمتها، تم إعدامها بطلقة نارية اخترقت مؤخرة رأسها.

ولعل أبلغ اختصار لحكاية (زايو) ماكتبته صحيفة «ميل أون صنداي»:
أن الفتاة « زايولينغ» البالغة من العمر 25 عاما لم تكن من عتاة المجرمين بل فتاة بسيطة قادمة من الريف أقحمت في تجارة المخدرات وتم استخدامها كمروجة من قبل صديقها الخائن.

وحديثنا عنها الآن بعد مرور تسعة أعوام على تلك الأحداث, لأنه في الأسابيع القليلة الماضية قام تلفزيون (فونيكس) في (هونغ كونغ) ببث بعض الصور التي تم التقاطها لـ(زايو) عام 2003 قبيل ساعات من إعدامها من داخل مركز اعتقال النساء في (ووهان) بوسط الصين, ولكن السلطات حظرت نشرها ذلك الحين باعتبارها بالغة الحساسية.

ولو تأملنا الصور فسنجد أنها تروي حكايات مؤلمة:
ففي أحدها ظهرت زايو وهي تضحك بمرح أثناء تناول وجبتها الأخيرة..
وفي الصورة الثانية كانت تقيس الحذاء الذي ستقوم بارتدائه أثناء تنفيذ حكم إعدامها..
وفي الثالثة ظهرت وهي تقيس قميصا كانت قد طلبت أن يكون لونه أسودا لأنها أرادت أن تبدو أكثر رشاقة في اللحظات الأخيرة..
وفي الصورة الرابعة كانت تلعب الورق في سعادة غامرة مع صديقاتها السجينات..
أما في الأخيرة فكانت (زايو) تبكي بمرارة..حيث كانت تساق لإعدامها!!

لم تتقبل (زايولينغ) مصيرها إلا قبيل سويعات من إعدامها، عندما تم أخذها لتوقع على أوراق تنفيذ الإعدام، فكتبت رسالة إلى والديها تعتذر فيها عن تخييبها لأملهم فيها قالت فيها:

(لم أكن اعلم إنني سأقع في ورطة كهذه,كنت أود أن اكسب المال لمساعدتكم ولكن كل شيء نحا منحى خاطئا).

انتهت حكاية زايو..

لكنها لم تكن وحدها, فقد كان معها في الصور ثلاث نساء أخريات لكل واحدة منهن قصة أشد إيلاما.

وحينما أقرأ هذا السيناريو المؤلم لا أشك للحظة أن سيناريو كهذا قابل للحدوث لأي امرأة في العالم.

تعالوا لنروي حكاية (نوير السعودية) وأترك لكم المقارنة..

نوير هي فتاة بسيطة طيبة مؤمنة غافلة رقيقة ونقية, ترعرعت في إحدى القرى النائية البعيدة عن المدينة, وكانت أكبر الأبناء والبنات فعملت مع والدها برعي الماشية.

وحينما ضاقت بوالدها المعيشة أضطر إلى بيع كل ما يملك وأشترى به منزلا متواضعا في المدينة, وبدأ يطرق أبواب الرزق, ظنا منه أن العمل في المدينة سيكون أيسر وأفضل لكن بحثه طال بلا جدوى.

تألمت (نوير) لحال والدها وبدأت في البحث عن وظيفة تساعده بها , لحين أن يكبر شقيقها الصغير ويكون لهم معينا.

وفي أثناء البحث قرأت في إحدى الصحف أن هناك وظيفة ذات راتب يفوق 3000ريال, وأن كل ما ستفعله أنها ستقف خلف الكاشير وستبيع للنساء حاجياتهن الخاصة فقط, لا أكثر من ذلك ولا أقل.

وقرأت أيضا بأنها حينما تعمل في هذه الوظيفة ستساهم في حماية (حياء النساء المسلمات) مما قد يتعرضن له حينما يبيع لهن رجل!!

قرأت نوير كل ذلك لكنها لم تقرأ عن السبب الذي جعل (المفتي العام) يحرم هذه الوظيفة في ظل الظروف الراهنة, ولم تقرأ أيضا مالذي سيؤول إليه (حيائها هي), حينما تتصدى لحماية (حياء النساء) !!

كانت هذه الفرصة لنوير كالحلم, كالحلم تماما, أغمضت عينيها وبدأت تحلق مع الأماني الوردية:
سنتخلص من الفقر, وسأطلب من والدي أن يرحم شيبته من التعب ويرتاح, وفوق ذلك سأنال الأجر من الله لأني سأحمي حياء النساء المسلمات العفيفات.

في اليوم الأول:

ذهبت نوير برفقة والدها لشركة مالك أحد تلك المحلات, وأبدى الأب رغبة ابنته بالوظيفة, رحب بهما مالك الشركة وطلب منها توقيع العقد ووقعت.

رغم أنها لم تفهم من بنود العقد شيئا .. لكنها وقعت !!

وبعد ذلك طلب منها المالك أن تباشر تدريبها في الغد في مقر الشركة, إذا ما أرادت أن تستلم أول راتب بعد شهر من الآن, وأكد لها أيضا أنها ستبيع للنساء فقط, في جو من الخصوصية ووفق الضوابط الشرعية!!

بل إنه طمأن والدها بأنه لا حاجة إلى حضوره أثناء التدريب والعمل, وأن ابنته في مأمن !!

في اليوم الثاني:

ذهبت نوير للشركة لتفاجأ بأن مديرها (رجل) وهو الذي سيدربها بنفسه,بدأت تفكر كيف يحدث ذلك وهي التي لم تحادث رجلا قط إلا حديثا عابرا, فاتصلت بمالك الشركة لتحتج على ذلك, فأخبرها أن ذلك سيكون مؤقتا وأن مديرها يعتبرها مثل ابنته !!

لم تتحمل نوير أن يخدش حيائها, لكنها أيضا لم تتحمل فكرة تضييع الحلم, ولم تتحمل أن ترى أثر الخيبة في ملامح والدها إذا ما تلاشى كل خططوا له سويا, فقررت أن تتحامل على نفسها في سبيل ذلك وتواصل.

وبعد أسبوع:

طلب منها المدير أن تباشر عملها في الميدان - وهو أحد محلات الشركة- , وحينما ذهبت كانت الصدمة الأخرى, لقد كان المحل كبيرا وليس فيه أدنى خصوصية, والأسوأ أنه كان معها أربعة من الذكور كلهم يعملون في الأقسام المجاورة لها!!

كما أنها اضطرت لمقابلة عشرات الزبائن من الذكور ذلك اليوم, رغم أنها تبيع في القسم النسائي!!

بقيت نوير في حيرة شديدة وبدأت الهموم تتحسس طريقها إليها.

وبعد أسبوعين:

كان الوقت صباحا والمحل خاليا, وكانت نوير تعد تقريرها الأول لصاحب العمل, فتقدم نحوها أحد العاملين في المحل وهو يحمل معه وجبة إفطارا لها, اعتذرت منه لكنه أصرَّ بلباقة على أن تأخذه, وأخبرها أنها مثل أخته, وأن بإمكانها أن تستعين به إذا ما واجهت أي مشكلة, - كان يتحدث بشهامة مفرطة – !!

وعاد إلى بقية زملائه مزهوا ومتفاخرا وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة !!!

في الأسبوع الثالث:

شعرت نوير بميل نحو ذلك العامل معها, فقد كان حريصا على إحضار الإفطار كل صباح وهو يغض بصره عنها, وحمدت الله أن سخر لها رجلا يحميها ويسندها, حيث سئمت تلك التعليقات القذرة من بعض الزبائن وبدأت تتهاوى أمام ألمها من حال والدها وأسرتها من جهة وأمام طبيعة العمل التي تفوق طاقتها من جهة أخرى.

بعد شهر:

كانت نوير تذرف دموعها حزنا, حيث لم يستحسن المدير تقريرها وأدائها في الشهر الأول وهددها بالإقالة, فأتى ذلك الزميل الشهم وأقترب منها وهو يبدي ارتباكا مفتعلا, أخبرها أنه لن يسمح لأحد بأن يتسبب في نزول دمعه واحدة!!

وجلس بجوارها وطلب منها قلما وورقة, وأن تقوم بإملائه المعلومات التي يطلبها لإتمام التقرير, بقيا كذلك حتى أنهيا المعلومات المطلوبة, فسلمها التقرير و أخذته وهي عاجزة عن الشكر والامتنان.

- كانت المرة الأولى التي تسمح فيها لرجل غريب بأن يجلس بجوارها -

عادت نوير للمنزل ذلك اليوم وهي تردد المقولة الرائعة:

(الرجل للمرأة سند، وللحياة نعمة، وللبيت عماد، وللأنوثة ري، وللأوجاع ستر، وللحاجات سداد، وللشدائد فارس!)

كانت نوير تردد تلك المقولة بسعادة غامرة, دون أن تعرف أن ذلك العابث (لم يكن رجلا قط)..

بعد شهرين:

جاء ذلك العامل ليطمئن على تقريرها وكانت قد أنجزته بمهارة, بارك لها هذا الإبداع وأشاد بكفاءتها, وربت على كتفها مشجعا!!

- كانت المرة الأولى التي يلمسها فيها –

بعد ثلاثة أشهر:

.....................................................................................

هل تنتظرون إكمال الحكاية؟!!

صدقوني.. لا داعي لذلك.. فكلنا يعرف النهاية

ببساطة لا نريد أن نخسر امرأة نقية, في كل يوم يطبق فيه قرار بآليات فوضوية وثغرات مدمرة.

كتبته: هند عامر
- كاتبة مهتمة بقضايا المرأة في الإعلام -






( زايو ) الصينية .. و( نوير ) السعودية

هند عامر


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

الضمائر.... بين الحياة.... والموت

الضمائر.... بين الحياة.... والموت: الضمائر.... بين الحياة.... والموت

يوسف المعايعه


بسم الله الرحمن الرحيم


كما الحق والباطل..... الحق يحيا والباطل يموت، فكذا الضمائر الحية والميتة تفترقان.....

فمنبع الحق، ضمير حي، ومدخل الباطل ضمير ميت، ولكل مشاربه.

فما بني على الحق فالحقيقة بجانبه، وبعكس ذلك فالحقيقة تجانبه فالحديث عن الضمائر حديث بين الحياة والموت.

فالضمائر الحية بما تملك من أحاسيس ومشاعر نحو امة تعيش لمبادئها المقدسة ولفكرها النير النقي ممزوجاً بعقيدةَِ لا تعرف التلون والمواربة

..... لا تعيش لذاتها ....
بل تعيش لكي تحيا بالإنسان وتحيا معه قضيته الشريفة ينافح عنها بما يملك من تجارب ومقدرات.

..... لا يمكن للضمائر البصيرة أن تبني جداراً وهيلماناً على نفسها أولاً وتحمي غيرها من أعداءها وهي تفتقر مقومات من يعيش لأمته ويطلب لها معالي الأمور و ثانيا بينما هي لاتستطيع أن تحمي نفسها

كيف لضمائر حية أن تجلس مع أو تصافح عدواً ذاق المسلمون منه صنوف التنكيل والعذاب ومرارة الأيام وهو لا يرقب في مؤمن ٍ إلاًّ ولا ذمه.
حاورته في سنوات كلها الضياع للضمير وتخلٍِِ عن المبدأ وتلويث للفكر وضياع لمقدرات الأمة.
(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.....)سورة آل عمران آية( 73)


الضمائر الحية يا سادة...... لا تفسد حياتها بأساليب خبيثة للصد عن سبيل الله من حيث تدري أو لا تدري ويا أسفاه إن كانت على دارية فمصيبة وبغيردراية فالمصيبة أعظم كيف لا وهي تنبري لك بقانونين متهرئة لخدمة الحدود والحروب المصطنعة لتجميل صورة العروس القبيحة وهي تفتقد شرط النكاح.

لا يتصور لضمائر يقضه أن تغلق باباً يقتاتُ منه الجياع وتمنع عنهم الدواء وتعذب من خلال ذلك الأطفال.
ما قيمة الضمير الذي فقد الأحاسيس والمشاعر النبيلة كلها إلا من حب العدو والسير خلفه نحو القذة بالقذة.
ضمائر ماتت فيها الأحاسيس والمشاعر وماتت فيها الشجاعة والرجولة
تلك الضمائر الميتة التي سارت في ظلمات الصهيونية والماسونية وركعت وسجدت عند أقدامها من اجل سيادة وسلطان ذليل مهان.

قال تعالى ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت .....)

قل لي يا عادل كيف تفتح الأبواب وتستقبل الأقزام وتوصد أمام الانقياء ذوي الأيادي البيضاء.

أي عدل هذا ..... أي قلوب هذه... أي شجاعة تمتلك ...!! أم هي قصة الخذلان والهوان؟!!

أخي المهجر .... أخي الصامد
لا تحزن على الأمس فهو لن يعود
ولا تأسف على اليوم فهو راحل
واحلم بشمس مضيئة في غد جميل

(قال تعالى: لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنةٍ أو من وراء جُدر...)




- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

خاطره في السعودة الوهمية

خاطره في السعودة الوهمية: خاطره في السعودة الوهمية

نواف بن توفيق العبيد*


بسم الله الرحمن الرحيم


بسم الله والحمد الله وصلى الله على رسول الله وبعد،،،
فالكل منا لاحظ ما انتشر منذ فترة من الزمن ما يسمى بالسعودة الوهمية ولكن في هذا الزمان أصبح أكبر بكثير من قبل الشركات الخائنة للأمانة والمدعية الالتزام بالعقود والأنظمة الصادرة عن ولاة الأمر حتى وصل بهم الأمر إلى استغلال أسماء الطلاب السعوديين وهم في مراحل الدراسة الثانوية والجامعية وأسماء النساء في البيوت والتي لم تفكر يوماً من الأيام بالعمل خارج بيتها .

وإنه من باب الأمانة وإبراء الذمة في مناصحة الأمه لقوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وقولة "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "ولقوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ..." وقوله "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " أمليت هذه الخاطرة إلى كلاً من ملاك الشركات والمنشئات التجارية الصغيرة والكبيرة مهما كان نوع نشاطها أولاً وإلى الطلاب وغيرهم ثانياً
أقول مستعيناً بالله :
يا أصحاب الشركات والمنشئات أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل وتحري الربح الحلال والحذر من التحايل على الأنظمة فإنها ما وضعت إلا للمصلحة العامة التي سيحتاج لها ابني وأبنائكم أخي وإخوانكم غداً .
فلا تتحايلوا على الأنظمة واللواح التي تصدر من الجهات ذا الاختصاص واعلموا أن الله يقول "يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود " وليس التوظيف الصوري من الوفاء بالعقد المبرم بينكم وبين ولاة الأمر .
لقوله الله تعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " فالطاعة لولاة الأمر واجبة ما لم تكن في إثم ولا شك أن الإلزام بسعودة نسبة معينه من الوظائف لديكم ليست بمعصية وإنما هي من المصالح العامة التي يرها ولاة الأمر لمحاربة البطالة في المجتمع .

ثانياً إلى أبنائي وأحبابي الطلاب وأخواتي النساء :أوصيكم بما أوصيت من قبلكم بتقوى الله عزوجل وتحري الرزق الحلال وأذكركم بقوله تعالى :"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "وإن تمكينكم أصحاب الشركات والمنشئات التجارية من استغلال اسمائكم في ما يسمى بالسعودة ضرب من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه وعليه فإن ما يصرف من مبالغ ورواتب مقابل هذا الشي يكون حراماً وسحت والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "ما من جسداً نبت على سحت إلا النار أولا به .
وأما ما يكتب بينكم من عقود على أنكم موظفون رسميون لكم ما للموظفين وعليكم ما على الموظفين ضرب من أضرب الكذب والخداع والتدليس عليكم وعلى ولاة الأمر وإن احتجوا لكم بأن العقد شريعة المتعاقدين وأن أصحاب الشركات قد تنازلوا لكم عن الحضور والعمل برضى منهم ،وكون الأمر قد فشى وانتشر لا يدل هذا على جواز الأمر فنحذر يا رعاكم الله ولنفق صفاً واحداً ضد هؤلاء المتلاعبين .

***إمام مسجد الصحابة
الرياض ـ حي العزيزية
ntyo@maktoob.com


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

الصومال الجرح المنسي

الصومال الجرح المنسي: الصومال الجرح المنسي

د. خالد سعد النجار


بسم الله الرحمن الرحيم


تُعدّ الجمهورية الصومالية واحدة من الدول الإسلامية والعربية في القارة الإفريقية التي أنهكها الاستعمار الأجنبي، ومن بعدها النزاعات الأهلية في ظل غياب مساندة حقيقية من الأمة الإسلامية والعربية للشعب الصومالي وقضيته ولو من قبيل الإغاثة الإنسانية، وانحدر الصومال في مستنقع الفوضى وغياب سلطة حكومية بعدما أطاحت ثورة شعبية بحكم الرئيس محمد سياد بري في 27 يناير 1991، ومنذ ذلك التاريخ فإن أمراء الحرب وقادة الفصائل الصومالية المتناحرة يخوضون حرباً قاسية في ظل افتقاد البلاد لحكومة مركزية، وبينما أمراء الحرب أصبحوا من الأغنياء، يدفع الشعب الصومالي، وأكثرهم الأطفال، ثمناً باهظاً للصراعات والنزاعات التي تمزّق البلاد.

جاءت أنباء سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو سيطرة كاملة وفرار أمراء الحرب منها لتبشر بمرحلة جديدة تدخلها الصومال .. هذه المرحلة بداية النهاية لأمراء حرب كانت لهم الكلمة الأولى في جميع اتفاقات السلام التي وقعت، وكانوا عقبة كأداء أمام تحقيق السلام واستتباب الأمن في مقديشو وبالتالي في بقية الصومال

فمقديشو العاصمة كانت ولا تزال مؤثرا كبيرا على الوضع الأمني في الصومال، وكان هؤلاء الزعماء يعتمدون على سيطرتهم عليها في عرقلة كل عملية سلام وتفريغها من أي ثمار مرجوة أو متوقعة. ورغم أن هناك اثنين أو ثلاثة من أمراء الحرب الذين كانوا يتمركزون في مقديشو ممن لم يشاركوا في تحالف مكافحة الإرهاب وهما لا يزالان في مدينة بيدوة مقر الحكومة الجديدة ومنهم وزير الداخلية "حسين فارح عيديد " ووزير الأشغال العامة والإسكان "عثمان علي عاتو" إلا أنه يمكن أن يقال إن المحاكم هي التي ستصبح صاحبة القول الفصل في العاصمة.

تحالف زعماء الحرب الصوماليين
يضم "التحالف من أجل إرساء السلام ومواجهة الإرهاب" المدعوم من الولايات المتحدة, زعماء حرب صوماليين علمانيين، ويؤكد التحالف أنه يكافح ما يسميه "الخطر الإرهابي" المتمثل من وجهة نظره في المحاكم الشرعية في مقديشو. وتأسس التحالف الذي يقع مقره العام في حي "داينيل" جنوب مقديشو في 18 فبراير/شباط الماضي, وهو يعرف نفسه بأنه حزب سياسي. ومن بين مؤسسي التحالف عدد من زعماء المليشيات التي تسيطر على العاصمة الصومالية منذ أن عمت الفوضى البلاد مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1991.

كذلك يضم التحالف أعضاء في الحكومة الانتقالية التي تشكلت عام 2004، وضم عند تشكيله زعماء حرب أبرزهم وزير الأمن القومي "محمد قنياري أفراح"، ووزير التجارة "موسى سودي يلاهو"، ووزير الشؤون الدينية "عمر محمود فينيش" ووزير تسريح المليشيات وإعادة تأهيلها "بوتان عيسى"، فضلا عن رجل الأعمال "بشير راغي شرار"

المحاكم الإسلامية الصومالية
ظهرت المحاكم الإسلامية على أرض الواقع بين قبائل العاصمة الصومالية مقديشو عام 1997 لتكون بمثابة وزارتي عدل وداخلية، وذلك بعد فشل مبادرات فردية لإقامة محاكم بمناطق متفرقة في عامي 1991 و1994. وكونت هذه المحاكم التي تستند إلى قاعدة الشريعة الإسلامية ميليشيات في كل قبيلة بالعاصمة لتقوم بدور وزارة الداخلية حيث نفذت عمليات مشتركة لإرساء الأمن في محاولة للقضاء على حالة الفوضى التي شهدتها البلاد في غضون الحرب الأهلية، وهو ما أكسبها نفوذا ومصداقية كبيرة لدى الصوماليين.

ففي عام 1991، وعقب سقوط الحكومة العسكرية السابقة بالصومال وانتشار حالة من الفوضى، حاول العالم الأزهري الصومالي الشيخ "محمد معلم حسن" إنشاء محكمة شرعية بمنطقة "طور طيجلي" جنوب مقديشو بالتعاون مع شيوخ القبائل للفصل بين المتخاصمين بالاحتكام إلى الشريعة، غير أن الجنرال الراحل "محمد فارح عيديد " الذي كان يسيطر على جنوب العاصمة آنذاك، وخلفه ابنه "حسين" وزير الداخلية بالحكومة الفيدرالية الحالية أحبط هذه المحاولة، حيث اعتبرها خطوة لإضعاف قوته.

وفي بداية عام 1994 تم تأسيس محكمة شرعية على أسس عشائرية بالشطر الشمالي من العاصمة، وعين الشيخ "علي محمود طيري" رئيسا لها، حيث استطاعت بسط نفوذها على أجزاء واسعة من شمال العاصمة مستعينة بالميليشيات التي كونتها، ونفذت المحكمة بالفعل أحكاما مختلفة على مدى نحو 3 سنوات من عملها على عدد كبير من السكان المتهمين مثل حد الرجم، والقصاص. إلا أن زعيم الحرب القوي آنذاك "علي مهدي محمد" دخل في صراع مع المحكمة وتمكن من القضاء عليها، وتفكيك أجهزتها القضائية والتنفيذية (الميليشيات)، مستعينا بدعم الحكومة الإثيوبية.

وفي أوائل عام 1997 عادت فكرة إنشاء محاكم شرعية على أسس قبلية لتقوم محكمة إسلامية في كل قبيلة. وفى بداية عام 2001 قويت شوكة المحاكم الشرعية بمقديشو، ونجحت في تنفيذ عمليات مشتركة شاركت فيها الميليشيات التابعة لها في كل قبيلة بالعاصمة، حتى وصل نفوذها إلى مناطق من "شبيلي السفلى" جنوب مقديشو، مثل منطقة "مركا" على بعد 120 كم

وفى عام 2005 تم تأسيس المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية بمقديشو، وانتخب الزعيم الشاب الشيخ "شريف شيخ أحمد" رئيسا له. وبعد اتحادها بدأت المحاكم الإسلامية تنفيذ عمليات مشتركة ضد العصابات الإجرامية بعدد من أحياء العاصمة؛ مما أدى إلى هدوء نسبي. وحرص الاتحاد على عدم تنفيذ عملياته ضد العصابات المسلحة بالمناطق التي تخضع لسيطرة زعماء الحرب لتفادي التصادم معهم

وتحظى المحاكم الإسلامية في مقديشو بنفوذ كبير ومصداقية عالية، ويعود ذلك لعدة أسباب، منها فشل زعماء الحرب في إعادة الأمن حتى في الأماكن التي يسيطرون عليها، ومعارضتهم لأي نظام يحاول إرساء الأمن؛ مما تسبب في تدهور شعبيتهم بشكل كبير، وعزّز في الوقت ذاته شعبية المحاكم الشرعية.

وجاءت المصادمات الدامية بين الجانبين في فبراير الماضي على خلفية اتهامات متبادلة، حيث يقول اتحاد المحاكم الإسلامية: إن التحالف يسعى لمحاربة واغتيال العلماء وتسليمهم لدول أجنبية، بينما يرى الأخير أن الاتحاد يريد السيطرة على البلاد، وإقامة حكم إسلامي "متشدد" على غرار نظام طالبان الذي كان يحكم أفغانستان

وقد تم الإعلان عن سيطرة المحاكم على مدينة "دينيلي"، وهي ضاحية من ضواحي مقديشو كان تحالف مكافحة الإرهاب يتخذها مقرا له. وتم تسليم مقر أقوى أمراء التحالف وأكثرهم تسلحا "محمد قنيري أفرح" الذي كان وزيرا للأمن في الحكومة الجديدة التي تشكلت عام 2004 ولم تستطع فعل شيء منذ ذلك الحين. ولقد تم تسليم المدينة ومقر وأسلحة "قنيري" سلميا إلى أعضاء من نفس قبيلته المنضوين تحت لواء المحاكم الإسلامية، وفر الرجل الذي كان يتهم بتسفير وتسليم المطلوبين أمريكيا إلى الولايات المتحدة، ثم ما لبث أن أعلن اتحاد المحاكم الإسلامية في الرابع من يونيو 2006 أنه سيطر على العاصمة بالكامل بعد أن تمكن من طرد من أسماهم "عملاء أمريكا" من مدينة "بلعد" الإستراتيجية شمالي مقديشيو، وهى آخر معاقلهم في العاصمة.

وأضاف المراقبون أنه يضاعف من حجم الأزمة، حالة الجفاف والمجاعة التي تهدد آلاف الأطفال والنساء، فهنالك شح كبير في المياه وندرة في المواد الغذائية كماً ونوعاً، ونقص في تدفق المساعدات إلى الصومال التي تمنع الفصائل المتناحرة وصولها إلى أهدافها، بينما يستمر تدفق السلاح بسلاسة ويسر، وتستمر الدول الغربية وأجهزة الاستخبارات العالمية في دعم أمراء الحرب بالمال علناً، والهدف كما يقولون هو محاربة الإرهاب، وبهذا تشتد الاشتباكات وتطول، بينما تستمر موجات جديدة من الأطفال والنساء والشيوخ في هجرة أماكن سكناها إلى مخيمات جديدة للفرار من الموت قتلاً أو جوعاً وعطشاً

قراءة متأنية للواقع الصومالي الحالي

1. الحرب التي دارت معاركها مؤخرا في مقديشو خلال الأشهر الأربعة الأخيرة مختلفة تماما عن الحروب التي كانت تقع بين القبائل في الصومال. فبينما كان التأثر بالقبلية ونعراتها باديا للعيان وغير خاف على أي مراقب، جاءت معارك مقديشو لتؤسس دخول الصومال مرحلة الحرب على أساس أيديولوجي أي على أساس المبدأ وليس القبيلة. فكلا الجانبين (تحالف مكافحة الإرهاب واتحاد المحاكم) كان من بين زعمائه أفراد من القبائل المسلحة في مقديشو. ولقد أراد زعماء الحرب بعدما هزموا في المراحل الأولى من القتال أن يضعفوا قوة المحاكم بإثارة النعرة القبلية بهدف تشتيت شملها، ولكنهم في هذه المرحلة لم ينجحوا، في مؤشر آخر على أن الشعب الصومالي بدأ يتعافى من داء القبلية ويدخل مرحلة أخرى مغايرة

2. زعماء الحرب لم يكن معهم أي من الشعب الصومالي ولا حتى من قبائلهم، وأنهم كانوا منبوذين شعبيا ولم تكن المليشيات التي استخدموها في حروبهم إلا مجموعات من المرتزقة سيطروا عليهم بفعل غسيل المخ والمخدرات. ولذلك وجدنا أنها في أول مواجهة حقيقية مع المحاكم انهزمت رغم قوة عتادها الحربي

3. الإسلام ما زال قويا في الصومال وأنه ليس هناك ما يمكن أن يوحد هذا الشعب أمام التحديات سوى الإسلام الذي وحد بين جميع قبائل الجنوب تحت لواء المحاكم، هذه القبائل التي كان أمراء الحرب يتقاتلون باسمها في يوم من الأيام.

4. الاقتتال وعدم الاستقرار في الصومال كانا بإرادة قوى إقليمية ودولية لا يسرها استتباب الأمن في هذا البلد العربي المسلم، لذا فإنهم وقفوا مع أعداء الشعب الذين قتلوه وشردوه 16 عاما.

5. دعوى وجود إرهابيين في الصومال تخفيهم المحاكم الإسلامية وأنها تدعم الإرهاب دعوى باطلة يستخدمها الغرب وحلفاؤه كقميص عثمان لتدمير الشعب الصومالي وإعاقة تطوره ونهوضه مرة أخرى من الوهدة التي وقع فيها بعد انهيار الحكومة الصومالية عام 1991.

6. المحاكم الإسلامية بعدما كانت قوة محايدة وعاجزة عن تنفيذ أحكامها على أولئك المنضوين تحت لواء أمراء الحرب ويتجنبونهم اتقاء شرهم، أصبحت الآن قوة فعالة وسيحسب لها ألف حساب سواء في المستقبل السياسي للصومال أو في معادلات التسويات الأخرى.

إلا أنه رغم أن الصومال جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ومن حقه كأي بلد عربي أن يحظى بالاهتمام والمتابعة على المستويين الرسمي والشعبي، ورغم تبنى الحكومات الصومالية المتعاقبة قرارات مهمة من أبرزها عدم السماح لاستخدام جواز السفر الصومالي للدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أو إلى إسرائيل، ورغم الحركة التجارية الدءوبة بين الصومال والدول العربية حيث تعد المواشي الصومالية من أهم وأكثر الواردات لدى بعض الدول العربية، إلا أن القضية الصومالية وهى قضية إسلامية وعربية بدرجة أولى مازالت بعيدة عن اهتمام العرب الذين يركزون بالأساس على قضايا العراق وفلسطين ولبنان .


د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com



- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

حبيبة وحبيبة .!

حبيبة وحبيبة .!: حبيبة وحبيبة .!

د. عبد المجيد البيانوني


بسم الله الرحمن الرحيم


أنفاسه تصعد وتهبط. والتوتّر قد بلغ منه غايته، وعشرة أنفس في القصر كلّ يغطّ في غرفته، أو غرفتها في نوم عميق، وهو وحده قلق سهران، لا يعرف النوم ولا يعرفه. والسكون من حوله شبح يطارده من كلّ مكان في قصره الفخم المنيف. فلا يكاد يجلس في مكان حتّى يقوم، ولا يكاد يقف ينظر من النافذة المطلّة على الشارع، حتّى يبتعد عنها، وكأنّ أحداً قد أحسّ بجريمته، فهو يلاحقه بنظراته. وكأنّه من ضيقه يسبّها ويلعنها "ما الذي أخّرها عنّي هذه المرّة؟. لابدّ أن أعاتبها عتاباً شديداً. لن أقبل لها عذراً، ولن أسكت لها. لأرى ماذا ستفعل معي. في كلّ مرّة أريها أخلاقاً حسنة، هذا الذي أطمعها بي. لن أسامحها اليوم. لعلّها الآن تنام في فراشها، ولا تفكّر بشيء من عذابك".

ونظر في ساعته، فازداد غيظه وغضبه. لقد مضى على موعدها خمس ساعات. كاد الليل ينتهي. ما فائدة حضورها الآن. ونظر في المائدة التي أعدّها لها، وما فيها من الأطباق الشهيّة التي طلبت منه بعضها، فتململ واشتدّ شوقه. هنا جلست منذ أيّام. آه لو طالت جلستها أكثر. آه لو رضيت أن تبقى عندي. ما أسوأ عاداتنا الظالمة. ولم يطق منظر أطباق الطعام أمامه. فخرج من غرفته، وهو يقول بغير شعور منه: "والله لن أذوقه ما لم تأت هذه الليلة" ومشى في الممرّات أمام الغرف المغلقة: "يا بؤس حياتي. وهنيئاً لمن ينام ملء جفونه"، وقادته قدماه إلى الحديقة ثمّ إلى خارج قصره، ووجد نفسه يمشي وحيداً في الشوارع الخاوية. وهدوء الليل يؤنسه أو يطارده، ويشفق عليه أو يسخر منه. وسمع من بعيد صوتاً نديّاً، يترنّم بتسبيحات وابتهالات، كان الكون كلّه ينصت إليها بخشوع. وتلحّن لها بعض الديكة بأصواتها الناعمة الشجيّة. وأحسّ صاحبنا بخشعة تسري في كيانه، فتنقله إلى عالم آخر. وانتبه من شروده إلى صوت حركة قريبة منه، فالتفت فإذا هو بشيخ يقارب السبعين من العمر. بصره لا يتجاوز موضع قدميه من طريقه. يمشي بهمّة كهمّة الشباب، قد ألقى بسجّادة صلاته على عاتقه، وأمسك بسبحة بيده، وهو يتمتم بأوراده وأذكاره، ومستغرق في عالم توحيده ومناجاته. وتجاوزه الشيخ، ولم يلتفت إليه. فاستدعى فضوله أن يتابع المسير وراءه. فتبعه حتّى بلغ المسجد المجاور. كان المسجد لم يفتح بعد. فافترش الشيخ سجّادته قريباً من مدخله. وجلس عليها يتابع أذكاره. وبعد سويعة حضر المؤذّن. وكأنّهما على ميعاد:
ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخ رضوان!
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، صبّحك الله بالخير يا عم إحسان.
ـ صبّحك الله بالخير والسعادة يا شيخ رضوان، كيف حالك.
ـ بخير والحمد لله. لعلّي لم أتأخّر عليك كثيراً.
ـ لا لا لم تتأخّر، بارك الله فيك وقوّاك.
ـ كلّ يوم أنت تبكّر، هل تخاف أن تهرب حبيبتك. يا عم إحسان.
ـ سامحك الله إنّ حبيبتي لا تهرب منّي أبداً. وجذب الكلام انتباه الشابّ، وطنّ في أذنه، فاقترب من الشيخ بغير شعور منه. فالتفت إليه الشيخ، ونظر نظرة متفرّسة، ثمّ عاد إلى شأنه.
ـ فلماذا هذا التبكير في الحضور. ألم أقل لك إنّها لا تأتي إلاّ في وقتها.
ـ ألا تفكّني من أسئلتك يا عم رضوان.
ـ سامحني إنّ الحديث معك حلو على قلبي.
ـ إنّني من شدّة شوقي أبكّر إليها. ولكنّها اليوم ستتأخّر دقيقة عن الأمس.
ـ أجل! صدقت.
وتذكّر الشابّ صاحبته! فضاق صدره، وامتعضت نفسه، وعادته الكآبة بعدما غابت عنه ونسيها قليلاً. وأراد أن يخرج عن كآبته، فالتفت إلى الشيخ، وقال له بينما كان المؤذّن يفتح أبواب المسجد: ومن هي حبيبتك يا عمّ؟.
ـ فابتسم الشيخ ابتسامة خفيّة ذكيّة، وقال له: حبيبتي عروس حسناء. لم تعرف الدنيا حسناء مثلها، عزيزة كريمة، وفيّة أبيّة، عفيفة شريفة، نعمة معطاء، أتمنّى لكلّ إنسان أن يسعد بلقائها. إنّها تسعدني كلّ يومٍ بلقائها، وتنعشني بحديثها. وتؤنسني بقربها، تزفّها إليّ الألوف كلّ يوم في هذا الوقت، ثمّ تعود بها بعد أن ينتهي ميعادها. فهل عرفتها؟. فإن لم تعرفها فهلاّ تعرّفت عليها. ونعمت بلقائها وقربها. وشرد مرّة أخرى عقل الشابّ، وهو يتذكّر تخلّف صاحبته! فضاق صدره، وتجدّد انزعاجه، ثمّ عاد إلى حواره مع الشيخ.
ـ إنّني لم أفهم كلامك يا سيّدي. فمن تعني.
ـ فحدّق الشيخ بنظره في وجه الشابّ، وكأنّه يفيض عليه من سحر حاله، ما ينقله إلى عالم آخر: عجباً لك والله يا بني. أنت في زهرة شبابك، ولم تتعرّف على حبيبتي الوفيّة. ولم تجلس معها، وتأنس بلقائها. إنّها صلاة الفجر يا أخي! حبيبة قريبة، كريمة سخيّة، تعرّف عليها، واقترب منها، فإنّك لن تطيق عنها صبراً، ولا لها فراقاً، إنّ لقاءها والله يعدل الدنيا وما فيها.

وأطرق الشابّ استحياء. ونفسه تقول له: أين أنت بهمّك وهمّتك، وعبثك وأوهامك. وأين هذا الشيخ بسموّه وعلوّ همّته. أيّ سعادة تلهث وراءها، وتبذل وقتك ومالك، وتحرق أعصابك، ولا تدرك منها إلاّ الوهم والسراب. وأيّ سعادة وبهجة يعيشها هذا الشيخ الوقور، ويتمتّع بها كلّ يوم. وهل صحيح ما يقول عن صلاة الفجر. إن لم يكن كلامه صحيحاً، فما الذي يدعوه إلى أن يترك فراشه في هذا الوقت المبكّر، ويأتي بهذه الهمّة والشوق، يقف على باب المسجد ينتظر.

وانسلّ الشابّ من أمام الشيخ، وتبعه الشيخ بنظراته الرحيمة المشفقة، وذهب وتوضّأ، ودخل المسجد. وكانت بداية عهده مع هذه الحبيبة الوفيّة. التي غمرت حياته بالسعادة والرضا، والأنس والبهجة.


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

حديثٌ تحت الشجرة

حديثٌ تحت الشجرة: بسم الله الرحمن الرحيم


جلس حسام تحت شجرته التى يحبها فى حديقة بيته ، فلهذه الشجرة تاريخ لا ينساه لقد زرعها فى الأسبوع الذى تزوج فيه من حبيبته ، لكم يحب زوجته فهى رفيقة دربه التى طالما وقفت بجوراه حتى وصل إلى ما وصل إليه ، ووقعت عينى حسام على ثمرة فى الشجرة التى يستظل بها ، ولا يعلم لم تذكر وقتها وجه زوجته وعليه إبتسامة لم يرها من قبل ، نعم هو يتذكر هذا اليوم جيداً ، لقد أخذ مكافأة كبيرة من عمله لم يكون يتصور حصوله عليها ، فأرد أن يشترى لها هدية وهو عائد إلى بيته ولكن ماذا يشترى ؟! فهو لم يتعود أن يشترى لزوجته هدايا من قبل ، اجتهد أن يشترى هدية قيمة يُدخل السعادة على قلبها وما أن قدمها لزوجته حتى رأى هذه البسمة التى لم يرها من قبل ، شعر أن هديته البسيطة جعلت زوجته وكأنها تمسك السحاب بيدها ، لم يكون يتصور أن زوجته ستسعد كل هذه السعادة بهديته المتواضعة ، علم وقتها بتقصيره فى حقها وعزم على أن يستمر ما بدأ ومن آن لآخر يشترى لزوجته هدية يجدد بها حياته ويسعد بها زوجته ويزيل حواجز قد تقع من سوء فهم قد يقع ، وهز رأسه قائلاً صدقت يا حبيبى يا رسول الله : " تهادوا تحابوا "

وكأنك تقول لها ..
والهدية ليس قلماً يقدم أو ثياباً جديداً يلبس بل رسالة ترسلها لزوجتك وكأنك تقول لها كلمة تعشق الزوجة سماعها أحبك ، ما الهدية إلا إعتراف منك أيها الزوج بحبك لزوجتك ومكانتها لديك فأنت لم تنساها ، وأرى الهدية شكراً منك على جهدها وحبها وعطائها لك أراها وكأنك تقول لها " أشكرك على ما قمت به " ، وأرى فى الهدية أيضا اعتذار منك عن أى تقصير قمت بها نعم قد يصعب علي الزوج الاعتذار وكأنك تقول لها بهديتك" أنا آسف " ، وأرى فيها شوقاً لزوجتك ، ألم تشترى الهدية وأنت فى الخارج شوقاً وتفكيراً فى زوجتك وكأنك تقول لها " كم اشتقت إليك؟! "

قالوا في الهدية
يقول عبد الملك بن مروان " ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاب يدل على عقل كاتبه، والرسول يدل على عقل مرسله، والهدية يدل عقل مهديها " ، ويقول أبو نصر الوزير: "الهدية ترد بلاء الدنيا، والصدقة ترد بلاء الآخرة " وقال آخر :- " تهادوا تحابوا. نعم الشيء الهدية أمام الحاجة. الهدية تفتح الباب المصمت. من قدم هديته نال أمنيته " .
أيها الزوج الكريم .. ماذا ستخسر لو قدمت لزوجتك هدية مهما كانت رخصية الثمن ، صدقنى سيكون لها أكبر الأثر فى حياتك كلها ..

• مدير تحرير موقع منارات ويب للعلوم الشرعية .



حديثٌ تحت الشجرة

محمود القلعاوى *

- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

رومانسية الوداع

رومانسية الوداع: بسم الله الرحمن الرحيم


بعدما شاركت هبة زوجها فطوره بكل رقة وحنان ناظرة لحبيب قلبها نظرات حانية ، سائلة خالقها أن يحفظه لها من كل سوء وشر ، وعلى باب بيتها وقفت تودعه وتذكره بعهدٍ سارا عليه مذ أن بدأ حياتهما معاً :- ( اتق الله فينا ولا تطعمنا حراماً ، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار )

سمع حسام كلماتها متفهماً ما أرادته ، لقد تعاهدا على حياة زوجية سعيدة كل منها يعين الآخر على طاعة الخالق مهما كان الثمن ..

لقد تعلمت هبة أن لحظات الوداع قاسية شديدة قصرت كانت أم طالت ، ولذا فلابد أن تكون مفعمة بالحب والشوق ، يقول د . فيصل بن سعود الحليبي عن هذه اللحظات :-
" إن لحظة التوديع هذه فاصل بهيج، من يجيد فن التعامل معه؛ سيطوي به كل كدر سابق، ليرسم بدله لوحة تذكارية جميلة بقلم التوديع السحري، تعدُ بعده بمشاهد حبٍ مرتقبة، يلتقي فيها الزوجان على أجمل مما افترقا عليه توهجًا وتشوقًا.. ليكونا كالشمس تترك في النفوس - قبل أن تغيب - ذكرى جميلة.. و تَعِدُ بإشراق جميل " .

رحم الله امرأة ..
إن هبه تعلمت جيداً أن لها دور كبير فى حياة زوجها ، فهى التى تأخذ بيده إلى الخير في الدين والدنيا ، وفي نفس الوقت تحثه على طاعة ربها تقدم مشورة في أمور دنياه ، وهي هي نفس اللحظة التي تقدم له كل ما فيه راحة وسكينة تقربه من ربه وتبعده عما يغضب خالقه ، وإليك صورة تحفظها لنا السنة النبوية لهذه الزوجة المأمولة " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل ، فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء " رواه أحمد وأبو داود .

صورة من وداع ..
ولقد نقلت لحضراتكم صورة لوداع كله شوق وحب وألم :-
" على باب عتمة الباب وقف الزوج المجاهد يودع زوجته, كان يستشعر أنه راحل إلى ربه إلى جنة عرضها السموات والأرض ..
قالت الزوجة الحنونة يا حبيبي متى الرجوع ؟! ، هل ستتركني وحيدة والأسى يفري الضلوع ؟! ..
قال والعبرات تجري والفؤاد بها لوعة :- اجعلي الصبر سلاحاً لا تخافي لن أضيع ، اجعلي في القلب يقيناً واحفظي الطفل الرضيع ، علميه العز دوماً كي يزود عن الربوع ، اقرئيه كتاب ربي كي يسير بلا خضوع ، أخبريه يا حبيبة أن والده اَثر الخير البديع ، باع للرحمن روحاً سار يدعو الناس يوماً في ثبات وخشوع "

ويكتب أحد المبدعين :- " بمثل هذا التوديع الآسر والمشاعر الريانة لن يكون صباح ذلك اليوم كأي صباح.. إنه يجدد في النفس النشاط، ويحملها على استقبال يومها كأفضل ما يكون الاستقبال: من الحيوية في البدن، والإشراق في الحياة، والصفاء في القلب، والعطاء الجاد في العمل. "

فهيا أيتها الزوجة الطيبة قومي لتودعي زوجك على باب بيتكما ، وارفعي يدك للسماء أن يعيده لك سالماً غانماً وارسمي لوحة تذكارية جميلة .. أسأل الله السعادة للجميع ..

• عضو الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين .



رومانسية الوداع

محمود القلعاوى *


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

محبة الله

محبة الله: محبة الله

نواف بن توفيق العبيد*


بسم الله الرحمن الرحيم


حينما تسأل كل مسلم هل تحب الله جل وعلا؟
سيقول وبكل ثقة ودون تردد نعم ،لأنه يعلم أن هذا الأمر معلوماً من الدين بالضرورة فلا يمكن أن يتم إيمان عبد بدون هذا الأمر لقولة عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين "
وقوله صلى الله عليه وسلم في حلاوة الإيمان " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما......الحديث"

ولكن السؤال الأهم من ذلك :
ما دليل محبتك الله ؟
لان الكل يدعى هذا الأمر فالموحد, والمبتدع، بل ربما الكافر يدعي محبة الله .
ستجد أن الغالب يتوقف عند الجواب على هذا السؤال لأنه ربما كان في السؤال شي من الغرابة فهل محبة الله تحتاج إلى إثبات ودليل ؟
الجواب :
نعم آلم تسمع إلى قول الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
فعلق الله جل وعلا محبة بإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فمن لم يطع الرسول صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهدية ويتقرب إلى الله جلا وعلا عن طريقة فإنه لا يحب الله وإن ادعى محبته سبحانه وتعالى ؟
وقوله سبحانه وتعالى ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) فمن لم يكن ذلك فإنه لم يسعى إلى محبة الله جل وعلا وغير ذلك من الآيات الدالة على هذا الأمر
فمحبة الله جلا وعلا من أعظم الأمور التي يجب على كل مسلم الحرص على نيلها فتكل المنزلة منزلة كبير لا يمكن الوصول إليها عن طريق الإدعاء باللسان دون العمل والبذل والمجاهدة للنفس والشيطان ، فكما أسلافنا يمكن لكل شخص أن ينطق بمحبة الله سبحانه وتعالى بلسانه ولكن العبرة بقولة صلى الله عليه وسلم
" البينة على من ادعى ".

فإذا كان الأمر كذلك فقد يتوارد على البال

كيف للإنسان أن يثبت محبته لله جل في علاه ؟
الجواب :
تنال محبة الله وتُثبت بتوحيده سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة ونفي الشريك عنه والإيمان بأسمائه وصفاته دون تحريف أو تعطيل وسؤاله بها ، وإخلاص العمل له جل وعل، وتصديق أنبيائه عليهم السلام ومحبتهم والتصديق بجميع كتبه والإيمان بقضائه وقدره ، وإتباع سنته محمد صلى الله عليه وسلم , ، والسير إلى الله عن طريقه فكل الطرق غير طريقه مغلقه لا يمكن الوصول إلى الله بها، كذلك الدفاع عن دين الإسلام والدعوة إليه لأنه الدين الحق الذي لا يقبل الله سواه ( إن الدين عند الله الإسلام ) (ومن يبتغي غير الإسلام دبناً فلن يقبل من )
والصبر على الأذى فيه ،والبراءة من أعداه من المشركين ،والمنافقين وعدم موالاتهم ومحبتهم فكيف يمكن الجمع بين محبة الله ومحبة أعداه قال تعالى ولا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون الموؤمنين".

*إمام مسجد الصحابة
الرياض حي العزيزية
ntyo@maktoob.com




- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

الله أكثر

الله أكثر: الله أكثر

علي بن سعيد بن دعجم


بسم الله الرحمن الرحيم


كنت وصاحبي نتكلم عن الدعاء وأنه أحد أسباب نصر المسلمين في كل زمان ومكان ، كما أنه من أسباب هلاك الظالمين ، كما أنه سبب لحصول أمور كثيرة ومنع أمور أخرى ، وكيف أن الدعاء - كذلك - كان أحد الأسباب المهمة لحصول الخير ودفع النقم .
ومن ذلك ما حصل لبعض الحكام الطغاة في عصرنا الحاضر فقد كان انهيارهم في أوقات قصيرة فاجأت الجميع ، فلا شك أن للدعاء دورا كبيرا في حصول هذه النهايات المتسارعة .

وأوردنا قصصا في هذا السياق ، منها :
ما تواتر عن رجل تميز أبناؤه خلقا وعلما وسلوكا ، حتى أن معلمي أبنائه يتعجبون من حالهم ، مع أن والدهم من عامة الناس وليس من علمائهم ، فذهبوا إليه يوما وسألوه عن طريقته في تربيتهم وتأديبهم ، فكان رده بأن نسب الفضل إلى الله تعالى ، ثم أنه يسأل الله في كل صلاة : أن يصلح أبناءه وأبناء المسلمين !! ، فتذكرت في نهاية سرد هذه القصة قوله صلى الله عليه وسلم : الله أكثر .
لم يقتصر في دعائه على طلب الصلاح لأبنائه فقط بل كثر أعداد المطلوب صلاحهم لتشمل أبناء المسلمين كلهم ، وما المانع ؟ فالله أكثر، وقد يعطي وقد يمنع ( فهو المحيط علما بأحوال العباد, فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم , وحكمته البديعة , وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل ولا غاية ولا تعليل ) تفسير ابن سعدي سورة يونس الآية20
(وهو سبحانه المحمود على كل حال لكمال علمه وكمال حكمته وعدله) ابن باز مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 4/152

وفي قصة هذا الرجل وغيرها مما شابهها أمور ، منها :

1. لقد أحسن الظن بالله ، ولعله تيقن (إن الله على كل شيء قدير) البقرة الآية 20 ، و (إن الله يفعل ما يريد ) سورة الحج آية 14, (والله يحكم لا معقب لحكمه ) الرعد الآية 41 ، (وربك يخلق ما يشاء ويختار ) القصص الآية 28

2. لعل الله آتاه بعض سؤله ، ومن طلب الله ودعاه ورجاه فإنه لا يخسر أبدا ، بل هو رابح مع الله ، فهو - سبحانه وتعالى - إما أن :
- يعطي السائل بعضَ أو كلَ ما سأل ، أو خيراً منه .
- أو يؤجل - سبحانه - الإجابة فيراها السائل في الدنيا أو في الآخرة .
- أو يصرف - سبحانه - عن السائل شراً .
قال عليه الصلاة والسلام : ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ، فقال رجل من القوم : إذا نكثر؟ ، قال : الله أكثر . ( رواه الترمذي وحسنه ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5636)
وقال عليه الصلاة والسلام : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا إذا نكثر ؟ قال : الله أكثر . (صحيح الترغيب 1633)
قال المباركفوري : (صرف عنه من السوء) أي : البلاء النازل أو غيره في أمر دينه أو دنياه أو بدنه ، (مثلها) أي : مثل تلك الدعوة كمية وكيفية إن لم يقدر له ووقوعه في الدنيا ، (الله أكثر ) قال الطيبي : أي الله أكثر إجابة من دعائكم ، وقيل : الله أكثر ثوابا وعطاء مما في نفوسكم ، فأكثروا ما شئتم فإنه تعالى يقابل أدعيتكم بما هو أكثر منها وأجل . (تحفة الأحوذي )
وقال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم ينصب وجهه لله عز وجل في مسألة إلا أعطاها إياه إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له في الآخرة) (رواه أحمد ، وصححه الألباني 1632 صحيح الترغيب)
وقال عليه الصلاة والسلام : يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت وقد دعوت فلم أَرَ يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء . (صحيح مسلم 2735)
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : عليك إذا تأخرت الإجابة أن ترجع إلى نفسك ، وأن تحاسبها ، فإن الله حكيم عليم ، قد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة ، ليكثر دعاء العبد لخالقه ، وانكساره إليه ، وذله لعظمته ، وإلحاحه في طلب حاجته ، وكثرة تضرعه إليه ، وخشوعه بين يديه ، ليحصل له بهذا من الخير العظيم ، والفوائد الكثيرة ، وصلاح القلب ، والإقبال على ربه ، ما هو أعظم من حاجته ، وأنفع له منها .... فإذا تأجلت الحاجة فلا تلم ربك ، ولا تقل لماذا؟ لماذا يا رب؟ بل عليك أن ترجع إلى نفسك ، .... ولعل هناك أمرا آخر ، تأخرت الإجابة من أجله ، يكون خيرا لك ، فلا يجوز أن تتهم ربك بما لا يليق به سبحانه ، ولكن عليك أن تتهم نفسك ، وتنظر في أعمالك وسيرتك ،.... وأن تعلم أن ربك حكيم عليم ، قد يؤجل الإجابة لحكمة ، وقد يعجلها لحكمة ، وقد يعطيك بدلا من دعوتك خيرا منها .( بتصرف يسير من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 5/303-305)

3. الله أكثر ، فعلينا أن نوسع دائرة المطالب التي نرجوها من الله - بالضوابط المذكورة في الأحاديث أعلاه - ، وخذ هذا المثل على سعة فضل الله وجزيل عطائه ، قال صلى الله عليه وسلم : من استغفر للمؤمنين و للمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة . (حسنه الألباني في صحيح الجامع 10970)

وكذلك ما يحصل من قريب لي يصر على المصافحة في كل لقاء به ولو كان بين اللقائين ساعات قليلة ، وكأنه لاحظ استغرابي على حرصه على ذلك ، فداهمني بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم : إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر . صحيح ، انظر صحيح الترغيب والترهيب 2721 ، وفي السلسلة 526
و قوله صلى الله عليه وسلم : إذا تصافح المسلمان لم تفرق أكفهما حتى يغفر لهما . صحيح برقم 433 في صحيح الجامع
ولم لا ؟! فالله أكثر ، و ( الله يرزق من يشاء بغير حساب) آل عمران 37 ، (وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ) فاطر الآية 35
4. إذا (الله أكثر ) وينبغي أن لا نغفل عنها ، بل نتخذها شعارا لنا في حياتنا ، والمهم هنا أن ندعوه وقلوبنا حاضرة موقنة بالإجابة ، قال صلى الله عليه وسلم : ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ . (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 594)

علي بن سعيد بن دعجم
أبها
26/1/1433


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

أحبك..

أحبك..: بسم الله الرحمن الرحيم


كانت مفاجأة مذهلة لعائشة عندما قرأتْ رسالة زوجها على جوالها كانت كلماتها قليلة للغاية لكنها مذهلة لها، لأول مرة من سنوات يرسل لها مثل هذه الكلمات، لكم اشتاقت أن يقول لها ذلك، بل من شدة شوقها لهذه الكلمة أنها تجاوزت كل خجل كان بها وطلبتها منه صراحة ولكنه لم يقلها، ليس عن بخل ولا غيره ولكنه الخجل وفقط، قال لها " أحبك "

لغة أخرى للتعبير :- لكن أشرف زوجها كانت له لغة أخرى للتعبير عن حبه له، لكم أغدق عليها بالهدايا، وكم قضى في عمله ساعات وساعات ليحقق لها كل ما تريد، وكم قدَّم لها كل احترام وتقدير أمام أهله، وكم حقق لها كل ما تريد، نعم يبذل كل ما في وسعه ليعبِّر عن حبه لها لكنه لم يهتم بإحدى الوسائل التي هي من أهم الوسائل لدى زوجته، أن يقول لها " أحبك "، ولكنه أدرك خطورة الموقف، لابد أن ينطق بها، لكن كيف فهو لم يترب على أن يقولها، يخاف أن يُقال عنه الضعف كما تربى أن التعبير عن المشاعر ضعف في الرجال، ولكنه حاول وحاول واجتهد والحمد للهِ أنه أصاب في اجتهاده، وكان دافعه في هذا الاجتهاد ما سمعه في خطبة الجمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنها أن أحب الناس إلى قلبه زوجته أمنا عائشة رضي الله عنها، وكان في مجمع من رجال دونما خجل أو موارة صلى الله عليك يا رسول الله

إلى العبارات المضيئة :- يقول أ. عبد الرحمن العشماوي: - " كان صلى الله عليه وسلم يعبِّر عن مشاعره تجاه مَن يحب، بل هو الذي أمرنا أن يقول أحدنا لمن يحب: ( أنا أحبك) وهو يعلم عليه الصلاة والسلام الأثر الكبير الذي تحدثه هذه الكلمة في قلوب المحبين. إن من الناس في زماننا هذا، مَن يواري حبَّه في نفسه طول عمره، فما يعبّر عنه بكلمة واحدة تسعد مَن يحب، وتجعله يذوق متعة الاستماع إلى العبارات المضيئة بالمشاعر والأحاسيس ) .

وها هو الإمام ابن القيم في كتابه الرائع: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ينقل حديثنا نقلة أخرى بكلماته تلك: " ما كان قربة وطاعة، وهو عشق الرجل امرأته، وهذا العشق عشق نافع، فإنه أدعى إلى المقاصد التي شرَّع الله لها النكاح، فهو أكف للبصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله، ولهذا يحمد هذا العشق عند الله وعند الناس ".

فهيا أيتها الزوجات نرفع أيدينا بالدعاء أن يرزقك الله حب الزوج، وأن يجملها في عين زوجها، وأن يرزقها حبه ويرزقه حبها، وأن يقربه إلى قلبها وأن يقربها من قلبه..

• عضو الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين .



أحبك..

محمود القلعاوى *

- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

عشر دقائق من فضلك! .. مهم جداً لطلبة العلم وأصحاب الهمم العالية

عشر دقائق من فضلك! .. مهم جداً لطلبة العلم وأصحاب الهمم العالية: كثير من الناس مضى على التزامهم بدين الله سنوات عديدة، فإذا حاسبوا أنفسهم على ذلك الزمن الطويل ما إنجازاتهم فيه، لم يجدوا إلا شيئا يسيرا، ينجزه أصحاب الهمم العالية في أشهر قليلة!

ولا شك أن أساس المشكلة منبعه الهمة السافلة، والمناهج الباطلة. ومن أقر بهذا بحث عن الطرق التي ترفع همته، وعن المناهج الصحيحة التي يسير عليها في سلوكه إلى الله.

ولكن بعضهم لا يقر بذلك، بل يحلو له أن يعلق فشله على شماعة أخرى، هي الانشغال وعدم التفرغ.

فلهؤلاء أقول: (قاعدة الدقائق العشرة) تكسر شماعتك، وتنسف أعذارك.

وملخصها أن أكثر الناس انشغالا لا بد أن يستطيع تفريغ عشر دقائق كل يوم، يخلو فيها بنفسه بعيدا عن الدنيا وصوارفها. فما الذي يمكنه أن يفعل في هذه المدة اليسيرة؟

شيء يسير بلا شك. ولكن اليسير إذا اجتمع إلى نظيره صار كثيرا، وإنما السيل اجتماع النقط:

- ففي عشر دقائق يمكنك أن تقرأ عشر صفحات على الأقل. ومعنى ذلك أنك تستطيع قراءة 3650 صفحة كل سنة، وذلك يوازي عشرة كتب تقريبا. فيمكنك أن تقرأ موسوعة علمية (تفسيرا أو شرح كتاب حديثي أو موسوعة أدبية أو غير ذلك) كل سنة.

بعد أن مر على التزامك الديني، وادعائك أنك طالب علم: عشر سنوات أو عشرون، أخبرني: كم قرأت من هذه المجلدات التي تزين رفوف مكتبتك؟

- وبعشر دقائق يوميا من الاستماع لشريط من سلسلة علمية تستمع في السنة لستين درسا علميا تقريبا، وفي عشر سنوات لستمائة درس! أتعرف عدد الدورات العلمية التي تكون قد شاركت فيها في هذه السنوات العشر بأقل كلفة منك؟

- وفي عشر دقائق يمكنك أن تحفظ بيتين، وتراجع عشرا، على أقل الأحوال. ومعنى ذلك أنك تحفظ في عشر سنوات أكثر من سبع ألفيات، وهذا يفوق ما يحتاجه أكثر طلبة العلم في باب حفظ المتون! وهذا للتمثيل فقط، وإلا فيمكنك تطبيق الطريقة نفسها على كل ما يقصد حفظه من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية ومن المتون النثرية.

وبعد هذا كله، فتدبر لو كانت هذه الدقائق ساعات كل يوم، كيف تكون إنجازاتك؟ وتدبر لو استعملت هذا في غير طلب العلم، ما الذي يمكنك أن تنجزه بهذه القاعدة في باب الدعوة الفردية، وذكر الله، وصلاة النافلة، ونحو ذلك من أعمال الخير؟

وكأني بك تقول: المشكلة في الجمع بين هذه الأمور لا في فعل أفرادها، فمن حفظ لم يقرأ، ومن قرأ لم يستمع لدرس، وهكذا.

وجوابي أن هذا صحيح، ولكنني إنما أخاطب ذا همة ضعيفة، مضت عليه سنوات طويلة لم يصنع فيها شيئا معتبرا، لا في قراءة ولا حفظ ولا غير ذلك. فلَأَنْ يصنع مثل هذا شيئا واحدا على الأقل، يختاره من هذه الأعمال، خير له من حالته الراهنة التي هو فيها تارك للأعمال كلها! ثم أقول: أكثر الناس – ولا أبالغ إن قلت: كلهم – يستطيعون تفريغ نصف ساعة في اليوم، فيمكنهم فيها أن يعملوا ثلاثة أشياء مختلفة، كل واحد منها في عشر دقائق.

والآن وقد ظهر لك أن الانشغال عذر واه ضعيف، فإنني أرجوك أن تنظر إلى ما تستقبل من الأيام، واترك التحسر على ما فات من الماضي، فإن وقت التحسر والأسف وقت ضائع من عمرك، ينقصك ولا يزيدك.

فتوكل على الله ولا تعجز، والله يوفقني وإياك.




عشر دقائق من فضلك!
مهم جداً لطلبة العلم وأصحاب الهمم العالية

البشير عصام المراكشي

- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

الفيس بوك .. آفة عصرية وفرصة دعوية

الفيس بوك .. آفة عصرية وفرصة دعوية: الفيس بوك .. آفة عصرية وفرصة دعوية

هاني الشيخ جمعة سهل (*)


بسم الله الرحمن الرحيم


سبع سنوات هي عمر موقع الفيس بوك ، الشبكة الاجتماعية الأولى على مستوى العالم ، والتي أسسها الشاب الأمريكي اليهودي مارك زوكربيرج عام 2004م حيث كانت مشروع تخرجه في جامعة هارفارد ، وهو مع صغر سنه (من مواليد 1984م) إلا أنه استطاع خلال هذه السنوات القليلة جذب أكثر من 800 مليون مشترك حتى الآن من جميع أنحاء العالم .
يسمح الفيس بوك للمشتركين فيه بالتعريف بأنفسهم من خلال صفحة شخصية لكل مشترك ، يضع فيها صوره وسيرته وعلاقاته الاجتماعية وأهم أفكاره واهتماماته بكل أنواعها ، كما يسمح للمشتركين فيه بتبادل الكلمات والصور ومقاطع الفيديو مع أصدقائهم ويتيح بعض الخصائص لزيادة التواصل ؛ كالمحادثات المباشرة المكتوبة والمرئية ، وتبادل الرسائل ، وإنشاء المجموعات الاجتماعية ، والألعاب الجماعية ، كما يتيح لهم إمكانية إبلاغ أصدقائهم بأماكنهم وما يقومون به من أعمال في الوقت الحالي ، وهذا ما يفسر لنا إدمان الكثيرين على المكوث فيه لساعات طويلة ؛ حيث يعتبر الفيس بوك مجتمعاً مصغراً مفعماً بالعلاقات والتواصل ، ممثلاً بذلك أبرز معاني العولمة في العصر الحديث .
مشكلة الفيس بوك أنه مجتمع لا رقيب عليه إلا الله ، فلا رجال أمن ، ولا هيئات ، ولا وزارات ، ولا سجون ، بل حتى الرقابة الالكترونية فيه معدومة ، فمن من البشر يستطيع مراقبة ما يفعله 800 مليون شخص كل دقيقة ؟! وبهذا يتاح المجال للمفسدين الذين لا يعتريهم وجل من مراقبة الله لهم ولا يردعهم دين أو عرف أو حياء أو رجولة .
وهاهنا تظهر للإنسان حقيقة إيمانه عندما تعرض عليه الفتن ولا رقيب إلا الله ، وتتجلى هنا معاني مراقبة الله ، والخوف منه ، والإيمان بالحساب ، والحياء من الله ، وخشية الرحمن بالغيب .
صفات كثيرة يتصف بها موقع الفيس بوك تؤهله ليكون واحداً من أخطر مداخل الشيطان ، حتى على الصالحين ، ولو رآه الإمام ابن الجوزي رحمه الله لأفرد له فصلاً كاملاً في كتابه (تلبيس إبليس) .
لكن مع هذا يعتبر الفيس بوك فرصة دعوية ثمينة لمن يقدر على تحمل أعبائها ويأمن من عواقبها وتبعاتها ، ومن له علم يقيه من الشبهات ، وإيمان يحفظه من الشهوات ، فمن مميزاته الدعوية :
- أنه لا رقابة عليه ، فلا يستطيع أحد أن يمنع شخصاً من التسجيل فيه مهما كان معتقده ، ولا يستطيع متجبر أو طاغية أن يمنع الناس من الكتابة فيه والدعوة إلى الله تعالى من خلاله ، أو اعتقال الدعاة إلى الله فيه وتعذيبهم .
- ومن مميزاته سهولة الدعوة ، وعدم احتياجها لإمكانيات مادية أو مهارات وقدرات شخصية ، فيمكن لأي شخص أن يدعو إلى الله عن طريق كتابة خاطرة أو نقل فائدة لأحد العلماء ، أو رفع صورة أو مقطع مرئي ، أو التعليق على بعض الكتابات ، فلا يلزم أن يكون الشخص خطيباً مفوهاً ، أو واعظاً مؤثراً ، أو عالماً ربانياً ، أو فقيهاً مجتهداً ، بل تتاح فيه الدعوة إلى الله كل بحسب ما عنده .
- يعتبر الفيس بوك فرصة للقاء كافة فئات المجتمع ، على اختلاف طبقاتهم ، ويتيح لك دعوتهم إلى الله ، خصوصاً بعض المشاهير من إعلاميين وفنانين وممثلين بل وحتى الوزراء ورجال الأعمال وغيرهم ممن يصعب الوصول إليهم على أرض الواقع .
- يوصلك الفيس بوك إلى فئة الشباب التي لا ترتاد المساجد ولا تحضر المحاضرات .
- يقوم الفيس بوك بتصنيف الناس إلى فئات حسب أعمالهم مما يتيح للداعية أن يقوم بدعوة فئة معينة من الناس ، خصوصاً مع توفر نظام (المجموعات) ، فمثلاً يستطيع الداعية أن يوجه خطاباً دعوياً لطلاب المرحلة الثانوية في منطقة بحري فقط ، أو أن يكتب رسالة للأطباء السودانيين الموجودين في الدوحة ، أو أن يطرح مشروعاً خيرياً لتجار الإمارات العربية المتحدة .
أفكار دعوية كثيرة يمكن تطبيقها من خلال الفيس بوك ، لو أجاد الناس استخدامه في الخير ، وما سيبقى لهم بعد مماتهم من حسنات جارية .
ختاماً أيها القارئ الكريم ، إن كنت ممن لم يستخدم الفيس بوك من قبل فلا تغامر ، فإنه بحر عميق ، ما أكثر الغارقين فيه ، كم زلت فيه من أقدام ، وارتكبت فيه من آثام ، فانج بنفسك ، واسأل ربك الثبات ، ولا تقتحم هذا الميدان ، فلعل فيه هلاكك ، ووسائل الدعوة غيره كثيرة وآمنة ، وكما قال بعض السلف : إن الشيطان يفتح للإنسان سبعين باباً من الخير ليوقعه في باب من الشر ، والسلامة لا يعدلها شيء ، وفقني الله وإياك لنصرة دينه ونسأل الله أن يعصمنا من الفتن .

__________________________
(*) المشرف العام على مجموعة مواقع رواد التميز www.rowadaltamayoz.com




- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

الحلقة المفرغة في مأساتنا..لا جهاد ولا تغيير

الحلقة المفرغة في مأساتنا..لا جهاد ولا تغيير: الحلقة المفرغة في مأساتنا..لا جهاد ولا تغيير

د مهدي قاضي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود (ما من امرئ يخذل امرءاً مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته). والحديث يتكلم عن النصرة المباشرة , ولكن إيحاءات ومعاني هذا الحديث الشريف أيضا تخيف المسلم من مسؤوليته في التقصير فيما يؤدي إلى عدم استمرار هذا الخذلان والعجز منا ومن الأمة تجاه إخواننا وأطفال ونساء أمتنا الذين يضطهدون ويذبحون في شتى بقاع الأرض, وذلك بألا يقصر في واجب الإصلاح والتغيير في واقع نفسه ومن حوله وفي مسؤولياته لكي يُهيئ لتقريب اليوم الذي تَصْلُحُ فيه أحوال أمتنا فتستعيد فيه قوتها وينطلق جهادها الفاعل فيُؤدَّب المعتدون ويُنقَذُ المضطهدون. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أمتنا ضُيِّعت وأُذلت وعطلت عن الجهاد بسبب حالة البعد عن التمسك الحق الكامل بالدين الذي نعيشه, وتغييرنا هذا الواقع بدءا بأنفسنا وبدعوة غيرنا يصبح واجباً علينا, وبالطبع واجب على كل مسؤول له علاقة بذلك بأن يحفز الأمة نحو الحق وما يريده الشرع وبأن يبعدها عما لا يرضاه الدين. وبدون شك هو واجب وفرض على من يخونون الأمة فيفسدونها ويضيعونها ويميعون عليها أمور دينها ويلهونها بالمحرمات, لأن إفسادهم هو أعظم وأخطر ما ضيَّع وقتل الأمة وكان الأساس الأهم في حصول تمكين الأعداء وتأخير النصر على المسلمين.

ولو عَذرنا بلاد ومجتمعات المسلمين في عدم القدرة على الجهاد حاليا فلا تُعذر ولا نُعذر في عدم الاستعداد له وللأمور المهيئة والمقربة له وأهمها تطبيقنا أوامر الله في الصغيرة والكبيرة وإبعادنا وابتعادنا عن المنكرات الشرعية التي لا يرضاها الدين خاصة ما كان فيه مجاهرة للعظيم على رؤوس الأشهاد , وما يكون فيه إفساد لقيم وأخلاق وتوجهات المسلمين مثل ما يظهر في كثير من وسائل الإعلام والقنوات من عدم مبالاة بأحكام الدين ورضا ونشر لمحرمات لا تكون سببا في استمرار ضعفنا وعجزنا عن إنقاذ إخواننا فحسب, بل قد تكون سببا في نزول عقوبات علينا من الجليل الذي يغار من أن يجاهر ويصر على ما لا يرضاه.
أيضا من أهم فوائد إيقاف وإصلاح هذه الوسائل المفسدة أن يستفاد من أوقات وطاقات أفراد الأمة للعمل لتحسين كل ما يسير بنا نحو طريق النصر سواء إصلاح الأوضاع الأخرى في كل جوانب الدين, أو العمل بكل همة لإعداد العُدَدْ والقوى المادية الهامة لتحقيق النصر على الأعداء ومن يضطهد المسلمين.
حتى الدعوات الكثيرة الطيبة التي ترفع من المسلمين في شتى بلاد الإسلام نصرةً لإخوانهم, قد يكون سبب تأخر استجابتها هو -كما عرفنا من الحكم والسنن الربانية- التقصير الحادث والمعاصي التي لا زالت قائمة في شتى بلاد المسلمين.
ولا يُشَكُّ أيضا في أن التخبط الكبير والفتن والتناقضات المحيرة التي تعيشها أمتنا في عصرنا -حتى أصبحت وكأنها أكثر أهل الأرض فتناً واضطرابا- لها علاقة بتقصيرنا في علاقتنا مع الله وما أحدثه وساهم فيه المفسدون في الأمة.

وإن أمتنا إذا صدقت مع الله في إيمانها وتمسكها فستستعيد قوتها التي تجعلها قادرة على إيقاف المعتدين على إخواننا وتحقيق التمكين للأمة وإعادة عزها وسؤددها بل وقيادتها للعالم أجمع. قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) "الأنبياء:105", وقال جل جلاله: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون)"الصافات:171-173".
وقد ذَكَّر بها كلمة واضحة الشيخ محمد الددو حفظه الله قبل فترة قريبة أيام مجزرة غزة عام 1430هـ بأن الأمة لو صدقت وقتها مع الله ونصرته لاستطاعت بإذن الله بما يمكنها أن تجمعه من عتاد أن تُوقف ذبح وقتل إخواننا وتُحقق النصر على اليهود, لأن وعد الله لا يخلف (إن تنصروا الله ينصركم)"محمد:7".

إننا بحاجة إلى كسر هذه الحلقة المفرغة التي أصبحنا ندور داخلها بلا حل؛ يُذبح إخواننا أمامنا فنعجز عن إنقاذهم لبعدنا وتقصيرنا في نصر الله, ثم لا يحدث في مجتمعاتنا التغيير المطلوب فيستمر ذلنا ويتجرأ الأعداء على أمتنا مرة أخرى فيذبحون ونعجز, ثم لا نغير فتاتي مذبحة ثالثة ورابعة وهكذا دواليك حتى أننا أصبحنا نعيش ونشاهد منذ عشرات السنيين في عصرنا الحاضر -بشكل اعتيادي وكأنه طابع خاص لأمتنا- العديد والكثير من المآسي والمذابح والمجازر التي ما أن تنتهي واحدة حتى تبدأ الأخرى, بل كثيرا ما كانت التالية ترقق التي قبلها من شدة الذبح الذي تتعرض له الأمة, وأصبح الدم المسلم للأسف نقولها بلا خلاف في عصرنا الدم الأرخص على الإطلاق مع أنه أغلى الدماء وأهمها.
وإن كسر هذه الحلقة يكون بعودتنا إلى الله وتمسكنا بكل أوامره وبعدنا عن المنكرات التي لا يرضاها ديننا, وإيقافنا إفساد وتضييع المفسدين.
أما ألا نغير ولا نجاهد فهذه المشكلة التي جعلتنا نعيش هذه الحلقة المفرغة, ونسأل الله أن تُكسر قريبا لتنفرِج بإذن الله أحوال الأمة وتستقر وتصلُح كل أمورها, ويعود مجدها الذي ضاع وتسود العالم وتقوده إلى السعادة العظمى في الدارين.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) "النور:55".

د مهدي قاضي
المشرف على موقع عودة ودعوة
http://www.awda-dawa.com/


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

الرَّدُّ على المخالفِ بينَ الغلاةِ والجفاةِ

الرَّدُّ على المخالفِ بينَ الغلاةِ والجفاةِ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإِنَّ (الرَّدَّ على المخالفِ) يُعدُّ واجباً مِنْ واجباتِ الإسلامِ الكِبارِ على أهلِ العلمِ المتأهلينَ فيه ، وَبه يُحفظُ الدِّينُ منْ عَادياتِ التبديلِ فيهِ ، وغَوائلِ التحريفِ عليهِ ، و لَهُ في ميزانِ الشريعةِ الغرَّاءِ شأنٌ عظيمٌ ، وقدْرٌ كبيرٌ ؛ وفي ذلكَ يقولُ الإمامُ ابنُ قيم الجوزية-رحمه اللهُ- :
((القلمُ الثَّاني عشر : القلمُ الجامعُ ، وهو قلمُ الرَّدِّ على المبطلينَ ، ورفعِ سُنَّةِ المحِقَّينَ ، وكشفِ أباطيلِ المبطلينَ -على اختلافِ أنواعِها وأجناسِها- ، وبيانِ تناقضِهم ، وتهافتِهم ، وخُروجِهم عنِ الحقِّ ، ودُخولهم في الباطلِ .
وهَذَا القلمُ -في الأقلامِ- نظيرُ الملوكِ في الأنامِ .
وأصحابُهُ أهلُ الحُجَّةِ الناصرونُ لما جاءتْ بهِ الرُّسلُ ، المحاربونَ لأعدائِهم .
وهُم الدَّاعونَ إلى اللهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ، المجادلونَ لمنْ خَرجَ عنْ سبيلِه بأنواعِ الجدالِ .
وَأَصحابُ هذا القلمِ حَرْبٌ لكُلِّ مُبطلٍ ، وعَدُوٌّ لكُلِّ مُخالفٍ للرُّسلِ ؛ فَهم في شأنٍ وغيرهم منْ أصحابِ الأقلامِ في شأنٍ)) [1].
لكنَّ هذا الواجبَ ؛ كغيرهِ منَ الواجباتِ الشرعيةِ ، جنحَ به النَّاسُ : إمَّا إلى جانبِ الغلوِ أو إلى جانبِ الجفاءِ ، وقليلٌ مِمَّنْ رَحمَ اللهُ هم المتمسِّكونَ بالوسطِ والاعتدالِ في هذا الواجبِ وفي غيرهِ .
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية-رحمهُ اللهُ- في بيانِ هذه الحقيقةِ- :
((قَدْ يَبْغِي بَعْضُ الْمُسْتَنَّةِ إمَّا عَلَى بَعْضِهِمْ ، وَإِمَّا عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ ، وَهُوَ الْإِسْرَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِمْ : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا } .
وَبِإِزَاءِ هَذَا الْعُدْوَانِ تَقْصِيرُ آخَرِينَ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْحَقِّ ، أَوْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا .
فَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَا أَمَرَ اللهُ بِأَمْرِ إلَّا اعْتَرَضَ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِأَمْرَيْنِ - لَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظَفَرَ - غُلُوٍّ أَوْ تَقْصِير...ٍ وَفَاعِلُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَزِيَادَةٍ مَنْهِيٍّ عَنْهَا بِإِزَائِهِ تَارِكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَبَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاَللهُ يَهْدِينَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللهِ)) [2].
و في عالمنا اليوم تَشهدُ السَّاحةُ العلميةُ الدَّعويةُ-وللأسفِ الشَّديدِ- هرجاً ومرجاً في الموقفِ منْ هذا الواجبِ الشَّرعيِّ ؛ ولذلكَ كانَ منَ الأهميةِ بمكانٍ أنْ يُسلَّطَ الضَّوءُ على مَوضوعِ (الرَّدِّ على المخالفِ) : تأصيلاً له ، وبياناً لأهميتهِ ، وكشفاً لموقفِ الغلاةِ والجفاةِ منهُ ، مع إبرازِ الموقفِ الشرعيِّ الصحيحِ منهُ .

فموضوعُ الحديثِ إذاً ، سَيدورُ-بعونِ اللهِ وتسديدهِ- حول أربعةِ محاورَ ، هي على وجهِ الإجمالِ :
المحورُ الأوَّلُ : أهميةُ الرَّدِّ على المخالفِ ، والتأصيلُ الشَّرعيُّ لَهُ .
المحورُ الثاني : موقفُ الغلاةِ مِنَ الرَّدِّ على المخالفِ .
المحورُ الثَّالثُ : موقفُ الجفاةِ من الرَّدِّ على المخالفِ .
المحورُ الرَّابعُ : بيانُ الموقفِ الشَّرعيِّ الصحيحِ منَ الرَّدِّ على المخالفِ .

أمَّا تفصيلُ كُلِّ محورٍ ؛ فهو على النَّحوِ الآتي :

المحورُ الأوَّلُ : أهميةُ الرَّدِّ على المخالفِ ، والتأصيلُ الشَّرعيُّ لَهُ :
يُعتبرُ (الرَّدُّ على المخالفِ) شعاراً مِنْ شعائرِ الملَّةِ الإسلاميةِ ، وواجباً فريداً منْ واجباتِها الشَّرعيةِ ، وهو مِنَ السُّننِ الجاريةِ عبر امتدادِ الزَّمنِ في الحياةِ الإسلاميةِ ؛ ذَبًّا عنْ كُلِّيَّاتِ الإسلامِ ومقاصدهِ العظامِ ، وصوناً عَنْ حرماتهِ وميادينهِ الجسامِ ؛ ليبقى الإسلامُ صافياً نقِيًّا يتلألأُ ؛ كما كانَ على منهاجِ النُّبوةِ .
ومَنْ تأَمَّلَ نصوصَ الوحيينِ الشَّريفينِ ، وجَدَهَا زاخرةً بِما يَدُلُّ على هذا الواجبِ دلالةً قطعيةً ، ويُقرِّرهُ تقريراً جازماً ، ومِنْ ذلكَ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ ما يلي :
1- ما جاءَ في القرآنِ العظيمِ :
قال تعالى : {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة : 111] ، وقال سبحانه : {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ }[الأنبياء : 24] ، وقال جلَّ وعلا : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ }[المائدة : 18] ، وقال عَزَّ مِنْ قائلٍ : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }[آل عمران : 59] .

2- ما جاءَ في السُّنَّةِ الصَّحيحةِ :
عَنْ أَنَسٍ-رَضِيَ اللهُ عنهُ- أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ »[3].
وفي يومِ حنينٍ رَدَّ النَّبيُّ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على ذلكَ الرُّجلِ الَّذِي قالَ لَهُ : وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ ؛ فقالَ لَهُ-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»[4] .
ورَدَّ النَّبيُّ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على الثلاثةِ الرَّهطِ الَّذينَ جاءوا إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَتهِ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ...؛ فقالَ لَهم-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : « وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»[5].
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية-رحمهُ اللهُ- :
((وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ الدِّينُ بِالتَّبْدِيلِ تَارَةً وَبِالنَّسْخِ أُخْرَى ، وَهَذَا الدِّينُ لَا يُنْسَخُ أَبَدًا لَكِنْ يَكُونُ فِيهِ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ مَا يُلَبَّسُ بِهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ اللهُ فِيهِ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ خَلَفًا عَنْ الرُّسُلِ ، فَيَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ فَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . فَالْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَثَارَةُ مِنْ الْعِلْمِ الْمَأْثُورَةُ عَنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ يَمِيزُ اللهُ بِهَا الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ وَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ))[6].
ويقولُ-أيضاً-رحمهُ اللهُ- :
((وَإِذَا كَانَ النُّصْحُ وَاجِبًا فِي الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ : مِثْلَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَغْلَطُونَ أَوْ يَكْذِبُونَ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْتُ مَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ - أَظُنُّهُ - وَالْأَوْزَاعِي عَنْ الرَّجُلِ يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ لَا يَحْفَظُ ؟ فَقَالُوا : بَيِّنْ أَمْرَهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : إِنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَ فُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ كَذَا . فَقَالَ: إذَا سَكَتَّ أَنْتَ وَسَكَتُّ أَنَا فَمَتَى يَعْرِفُ الْجَاهِلُ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ.
وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ اللهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً)) [7].

المحورُ الثاني : مَوقفُ الغلاةِ مِنَ الرَّدِّ على المخالفِ :
يتمثَّلُ موقفُ الغلاةِ مِنَ الرَّدِّ على المخالفِ في مظاهرَ سلوكيةٍ وممارساتٍ عمليةٍ ، لعلَّ أهَمَّها :
1- التَّسرُّعُ في الرَّدِّ على المخالفِ دونَ مراعاةٍ للضَّوابطِ العلميةِ والشُّروطِ الشَّرعيةِ.
2- عَقْدُ مجالسِ الجرحِ والتَّعديلِ مِنْ جهةِ بعضِ الأفرادِ ؛ دُونَ أهلِيَّةٍ ولا مُسوِّغٍ شرعيٍّ ؛ وكأنَّ أحدَهم يَحسَبُ نفسَهُ (أحمدَ بنَ حنبلٍ) أو (يحيى بنَ معينٍ)-رحمهما اللهُ- .
3- أنْ يكونَ الباعثُ على الرَّدِّ هو الحسدَ والتَّشفِّيَ ، أو حُبَّ الظهورِ والشُّهرةَ والرِّياءَ ، وليسَ هُوَ الإخلاصَ وأنْ تكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا .
4- البعدُ التَّامُّ عنْ معالمِ الحكمةِ وأُسسها ، والتَّجافِيُ عَنِ النَّظرِ في قضيةِ المصالحِ والمفاسدِ .
5- الظُّلمُ والبغيُ والعدوانُ ، وذلكَ بمجاوزةِ الحدِّ الشَّرعيِّ في الرَّدِّ على المخالفِ، وهذا له صورٌ وأشكالٌ ، منها :
-الرَّدُّ عليه دونَ استثباتٍ ولا استبيانٍ .
-التَّقوُّلُ عليه بكلامٍ لَمْ يَقُلْهُ .
-إسقاطُ المخالفِ وتجريحُهُ في المسائلِ الاجتهاديةِ التي يَسوغُ فيها الخلافُ بينَ أهلِ السُّنَّةِ ، والتي ينبغي أنْ يَعذُرَ المرءُ فيها أخاهُ .
وقد ثبتَ عن الإمامِ أحمدَ-رحمهُ اللهُ- أَنَّهُ قالَ : ((إِخراجُ النَّاسِ مِنَ السُّنَّةِ شَديدٌ))[8].
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية-رحمهُ اللهُ- :
((وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَبْدِيعِ مَنْ خَالَفَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُصُولِ ؛ بِخِلَافِ مَنْ نَازَعَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي تَوَاتُرِ السُّنَنِ عَنْهُ : كَالتَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ وَفِي الْقُسَامَةِ وَالْقُرْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغَ)) [9] .
ويقولُ-أيضاً-رحمهُ اللهُ- في شأنِ أهلِ التَّوحيدِ-:
((وإنْ حَصلَ بينهم تنازعٌ في شيءٍ مِمَّا يَسوغُ فيه الاجتهادُ ، لم يُوجِبْ ذَلكَ تَفَرُّقاً ولا اختلافاً، بلْ هم يَعلمونَ أنَّ المصيبَ منهم له أجرانِ، وأنَّ المجتهدَ المخطئَ له أجرٌ على اجتهادهِ، وخطؤهٌ مغفورٌ له)) [10] .
وقالَ الحافظُ الذَّهبيُّ-رحمهُ اللهُ- :
((وَلَوْ أَنَّا كلَّمَا أَخْطَأَ إِمَامٌ فِي اجْتِهَادِهِ فِي آحَادِ المَسَائِلِ خَطَأً مَغْفُوراً لَهُ، قُمْنَا عَلَيْهِ، وَبدَّعْنَاهُ، وَهَجَرْنَاهُ، لَمَا سَلِمَ مَعَنَا لاَ ابْنَ نَصْرٍ، وَلاَ ابْنَ مَنْدَةَ، وَلاَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا، وَاللهُ هُوَ هَادِي الخَلْقِ إِلَى الحَقِّ، وَهُوَ أَرحمُ الرَّاحمِينَ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهوَى وَالفظَاظَةِ)) [11] .
6- عَقْدُ الولاءِ والبراءِ في مجالِ(الرَّدِّ على المخالفِ) على قولِ واحدٍ مِنْ أهل العلمِ ، أَوْ طُلابهِ ؛ فإذا خالفَ هذا القولَ أَحدٌ مِنَ النَّاسِ ضَلَّلَهُ أولئكَ الغلاةُ ، أو بَدَّعوهُ، وشَهَّروا به في الآفاقِ ، واستباحوا عِرضَهُ بأسوءِ العباراتِ وأقذعِ الكلماتِ ، ولو كانَتْ مخالفتُهُ هذه مستندةً على قولٍ آخرَ لبعضِ أهلِ العلمِ الثِّقاتِ ، ولا ريبَ أنَّ هذا المسلكَ المشينَ هو عينُ الحزبيةِ الذَّميمةِ والطائفية المقيتةِ والعصبيةِ البغيضةِ .
يَقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية-رحمهُ اللهُ ورفعَ قدرهُ في المهديينَ- في كلمةٍ تأصيليةٍ منهجيةٍ ماتعةٍ تُكتبُ بماءِ الذهبِ على صُحفٍ منْ نورٍ- :
((فَأَئِمَّةُ الدِّينِ هُمْ عَلَى مِنْهَاجِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا مُؤْتَلِفِينَ مُتَّفِقِينَ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْفَرَائِضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ . وَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ دُونَ الْبَاقِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ دُونَ الْبَاقِينَ ؛ كالرافضي الَّذِي يَتَعَصَّبُ لِعَلِيٍّ دُونَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ ، وَكَالْخَارِجِيِّ الَّذِي يَقْدَحُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ؛ فَهَذِهِ طُرُقُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ مَذْمُومُونَ خَارِجُونَ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ سَوَاءٌ تَعَصَّبَ لِمَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَد أَوْ غَيْرِهِمْ . ثُمَّ غَايَةُ الْمُتَعَصِّبِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِقَدْرِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَبِقَدْرِ الْآخَرِينَ فَيَكُونُ جَاهِلًا ظَالِمًا وَاَللهُ يَأْمُرُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَيَنْهَى عَنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ . قَالَ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }... وَهَذَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَتْبَعُ النَّاسِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَعْلَمُهُمْ بِقَوْلِهِ وَهُمَا قَدْ خَالَفَاهُ فِي مَسَائِلَ لَا تَكَادُ تُحْصَى لِمَا تَبَيَّنَ لَهُمَا مِنْ السُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا اتِّبَاعُهُ وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ مُعَظِّمَانِ لِإِمَامِهِمَا . لَا يُقَالُ فِيهِمَا مُذَبْذَبَانِ : بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ الْقَوْلَ ثُمَّ تَتَبَيَّنُ لَهُ الْحُجَّةُ فِي خِلَافِهِ فَيَقُولُ بِهَا وَلَا يُقَالُ لَهُ مُذَبْذَبٌ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَزَالُ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ . فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا كَانَ خَافِيًا عَلَيْهِ اتَّبَعَهُ وَلَيْسَ هَذَا مُذَبْذَبًا ؛ بَلْ هَذَا مُهْتَدٍ زَادَهُ اللهُ هُدًى . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } . فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ وَعُلَمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يَقْصِدَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَيَعْلَمَ أَنَّ مَنْ اجْتَهَدَ مِنْهُمْ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَمَنْ اجْتَهَدَ مِنْهُمْ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ لِاجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ...
وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَّخِذَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ شِعَارًا يُوجِبُ اتِّبَاعَهُ وَيَنْهَى عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ)) [12].
7- التنقيبُ عَنِ الأخطاءِ ، والتصيُّدُ للهفواتِ ، والفرحُ بالزَّلاتِ ، والدُّخولُ في المقاصدِ والنِّيَّاتِ ، وتحميلُ الكلامِ أسوءَ الاحتمالاتِ .

يقول الإمامُ ابنُ قيم الجوزية-رحمهُ اللهُ- :
((ومِنَ النَّاسِ مَنْ طَبْعهُ طبعُ خِنزيرٍ ، يَمُرُّ بالطيباتِ فلا يَلْوي عليها ، فَإِذا قامَ الإنسانْ عنْ رَجيعهِ قَمَّهُ ، وهَكَذا كثيرٌ منَ النَّاسِ يَسمعُ مِنكَ ، ويَرى منَ المحاسنِ أضعافَ أضعافِ المساوىء ؛ فَلا يحفظُها ، وَلا يَنْقُلُها ، ولا تُناسِبُه ؛ فَإذا رَأى سَقطةً ، أَوْ كَلمةً عوراءَ : وَجَدَ بُغيتَهُ وما يُناسِبُها ، فَجَعلها فَاكهتَهُ ونُقْلَهُ)) [13] . وقد كانَ لهذا الموقفِ السَّلبيِّ الَّذي اتَّخذهُ الغلاةُ منهجاً لهم في(الرَّدِّ على المخالفِ) آثارٌ سيئةٌ وعواقبُ وخيمةٌ ، منها :
1-صَرْفُ طَاقاتِ الشبابِ وأوقاتِهم عَنْ طلبِ العلمِ والرُّسوخِ فيهِ ، وعَنِ والدَّعوةِ إلى اللهِ والبناءِ الذَّاتي على منهاج النبوةِ ، وإهدارُ هذه النِّعمِ الجليلةِ ، العظيمةِ القدرِ في أمورٍ ليسوا لها أهلاً .
2-إشعالُ نارِ الفتنِ بينَ أهلِ العلمِ وطلابهِ ؛ نتيجةً لكثرةِ القيلِ والقالِ ، ومجاوزةِ الحدِّ الشَّرعيِّ في نَشْرِ الكلامِ ونَقْلهِ .
3-تمزيقُ لُحمةِ أهلِ السُّنةِ ، وتشتيتُ الصَّفِّ السلفيِّ القائمِ على منهاجِ النبوةِ .
4-بروزُ ظاهرةِ التعالمِ ، وشيوعُ حُبِّ الظُّهورِ الَّذي منْ شأنهِ أن يَقصمَ الظُّهورَ .
5-انفصامُ عُرى الإخوةِ الإسلاميةِ ، وتقطُّعُ أوصالِ المحبةِ الإيمانيةِ .
6-انحسارُ مَدِّ أهلِ السُّنةِ ، واستقواءُ أهلِ الزَّيغِ والضَّلالِ بعضهم ببعضٍ .

المحورُ الثَّالثُ : موقفُ الجفاةِ من الرَّدِّ على المخالفِ :
أَمَّا مَوقفُ الجفاةِ مِنَ (الرَّدِّ على المخالفِ) ، فهو على عكسِ موقفِ الغلاةِ تماماً ؛ إذْ إِنَّهم أسقطوا هذا الواجبَ العظيمَ ، وضربوا بهِ عرضَ الحائطِ ؛ بدعوى الحفاظِ على وحدةِ المسلمينَ وعدمِ تفريقِ الصَّفِّ ؛ فسكتوا عَنِ الرَّدِّ على أهلِ الزَّيغِ والضَّلالِ ، وأَلجموا ألسِنتَهم عَنْ بيانِ فَسادِهم والتَّحذيرِ مِنْ مناهِجهم ؛ كما هُوَ حَالُ كثيرٍ مِنْ الحركاتِ الحزبيةِ البعيدةِ عَنْ منهاجِ النُّبوةِ ، و هذا مِنْ تزيينِ الشيطانِ لهم ، وتلاعبهِ بعقولهم .
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية-رحمهُ اللهُ- في شأنِ أهلِ الزَّيغِ والضَّلالِ والذَّابينَ عنهم- :
((وَيَجِبُ عُقُوبَةُ كُلّ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ ، أَوْ ذَبَّ عَنْهُمْ ، أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ ، أَوْ عَظَّمَ كُتُبَهُمْ ، أَوْ عُرِفَ بِمُسَاعَدَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ ، أَوْ كَرِهَ الْكَلَامَ فِيهِمْ ، أَوْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ لَهُمْ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَدْرِي مَا هُوَ ، أَوْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ وَأَمْثَالَ هَذِهِ الْمَعَاذِيرِ الَّتِي لَا يَقُولُهَا إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُنَافِقٌ ؛ بَلْ تَجِبُ عُقُوبَةُ كُلّ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمْ ، وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْقِيَامِ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْعُقُولَ وَالْأَدْيَانَ عَلَى خَلْقٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ ، وَهُمْ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ؛ فَضَرَرُهُمْ فِي الدِّينِ : أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ مَنْ يُفْسِدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دُنْيَاهُمْ وَيَتْرُكُ دِينَهُمْ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَكَالتَّتَارِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ الْأَمْوَالَ وَيُبْقُونَ لَهُمْ دِينَهُمْ)) [14].

و قَدْ تَولَّدَ عنْ هذا الموقفِ السَّلبيِّ الَّذي اتَّخذه الجفاةُ منهجاً لهم في(الرَّدِّ على المخالفِ) جُملةٌ منَ الآثارِ الشَّنيعةِ ، منها :
1-شُيوعُ الأقوالِ الباطلةِ والأهواءِ المزريةِ .
2-اندراسُ معالمِ الدِّينِ ، وانطماسُ حقائقهِ وأُصولهِ .
3-إفسادُ الأرضِ بسببِ فُشُوِّ الشَّركِ والبدعِ والمنكراتِ .
4-تَصَدُّعُ البناءِ الدَّاخليِّ للأُمَّةِ ؛ ومِنْ ثَمَّ تكونُ الأُمَّةُ خانعةً ذليلةً ، ولقمةً سائغةً لأعدائها .
5-انقلابُ الموازينِ ، واضطرابُ المفاهيمِ ، وتَشَوُّهُ التَّصوُّراتِ .
6-نُزولُ العقوباتِ الإلهيةِ ؛ لأَنَّ في السُّكوتِ عَنِ الرَّدِّ على المخالفِ تعطيلاً لشعيرةِ النُّصحِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عَنِ المنكرِ ؛ مِمَّا كانَ سبباً في عقوبةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ لبني إسرائيلَ ، وَذلكَ بِلعنِهم في كتبِ اللهِ المنزلةِ : التَّوراة والإنجيل والزَّبورِ، وطردهم عَنْ رحمةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ ؛ كما قالَ تعالى :{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ*كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }[المائدة : 78-79] .

المحورُ الرَّابعُ : بيانُ الموقفِ الشَّرعيِّ الصحيحِ منَ الرَّدِّ على المخالفِ :
يَصبو المسلمُ النَّاصحُ لنفسهِ ، أَنْ يَكونَ على جادةِ الصَّوابِ في هذا الواجبِ ؛ ولا يُمكنُ ألبتَّةَ أنْ يكونَ لهُ ذلكَ ؛ حَتَّى يَتخلَّصَ منْ مسلكِ الغلاةِ والجفاةِ كليهما ، ولَنْ يتحقَّقَ هذا أبداً إلا بأنْ يَتَّخذَ موقفاً شرعياً صحيحاً مِنَ (الرَّدِّ على المخالفِ)؛ وذلكَ بالتزامِ مجموعةٍ مِنَ الشُّروطِ والآدابِ[15]. التي لا محيصَ عنها ، وهي فيما يلي:
1- إخلاصُ النِّيةِ للهِ عَزَّ وجلَّ ؛ بأنْ يكونَ باعثُ الرَّدِّ على المخالفِ هو (إعلاءَ كلمةِ الله) ، والذَّبَّ عَنْ دينهِ ، وإرادةَ وجههِ سبحانه ، وما أعدَّه مِنَ الأجرِ والثوابِ في الآخرةِ .
ومنَ المعلومِ أَنَّ الإخلاصَ شرطٌ عامٌّ في كُلِّ الأعمالِ الصالحةِ ؛ كما قال تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[البينة : 5] .
2- المتابعةُ لهديِ الشَّريعةِ ؛ بأنْ يُدفعَ الباطلُ بالحقِّ ، وليسَ بالباطلِ ؛ كما هو هديُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في الرَّدِّ على المخالفِ ؛ كما مَرَّ معنا في محور التأصيل للرَّدِّ على المخالفِ .
3- الأَهْلِيَّةُ ؛ وذلكَ بأنْ يَكُونَ الرَّادُّ على المخالفِ مِنْ أهلِ العلمِ الأقوياءِ ، المتمسكينَ بـِ ( منهاجِ النُّبوةِ) ، القائمينَ بالحقِّ والرَّدِّ على الباطلِ بالحججِ والبَيِّناتِ والأدلةِ القاطعاتِ ، و ينبغي لَهُ أيضاً أَنْ تكونَ له قدمٌ راسخةٌ في (فقه المصالح والمفاسد) ، وفي النَّظرِ إلى عواقبِ الأمورِ والمآلاتِ .
فَمَنْ لَمْ يَكنْ كذلكَ ؛ فليسَ أهلاً للرَّدِّ ، وإِنَّما هو أهلٌ للذَّمِّ ؛ كما قال تعالى : {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[آل عمران : 66] .
وقالَ سبحانه :{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف : 33] .
يقولُ الحافظُ الذَّهبيُّ-رَحِمهُ اللهُ- :
((الصَّدعُ بِالْحَقِّ عَظِيْمٌ، يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةٍ وَإِخْلاَصٍ، فَالمُخْلِصُ بِلاَ قُوَّةٍ يَعجِزُ عَنِ القِيَامِ بِهِ، وَالقَوِيُّ بِلاَ إِخلاَصٍ يُخْذَلُ، فَمَنْ قَامَ بِهِمَا كَامِلاً، فَهُوَ صِدِّيْقٌ)) [16] .
ويقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية-رحمهُ اللهُ- :
((وَقدْ يَنهونَ عنِ المجادلةِ والمناظرةِ إذا كَانَ المناظرُ ضعيفَ العلمِ بالحجةِ ، وجوابِ الشُّبهةِ ؛ فَيُخافُ عَليهِ أَنْ يُفسدهَ ذلكَ المضِلُّ ؛ كَما يُنْهى الضعيفُ في المقاتلةِ أَنْ يُقاتِلَ عِلْجاً قَوِيًّا مِنْ عُلوجِ الكفارِ ؛ فَإِنَّ ذَلكَ يَضُرُّهُ ، ويَضُرُّ المسلمينَ بلا منفعةٍ)) [17] .
4- تحقيقُ العدلُ ؛ فالعدلُ نظامٌ شاملٌ يَستوعبُ جميعَ ميادينِ الحياةِ وأبوابِ الدِّينِ؛ كما قال تعالى : {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[النحل : 90] .
وقالَ سبحانَهُ :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ }[النساء : 135] .
وقالَ جَلَّ وعلا:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد : 25] .
وَيَكونُ العَدلُ بالتَّثبُّتِ مِنْ كلامِ المخالفِ ، والتَّبيُّنِ مِنْ مخالفتهِ ، وعدمِ تحميلِ كلامهِ ما لا يحتملُ ، و الحذرِ مِنَ التَّقوُّلِ عليه بما لا يَقُلْ .
5-التزامُ الرَّدِّ بالتي هِيَ أحسنُ ، وهذا هو الأصلُ ؛ كما قال تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[النحل : 125] .
وقدْ يُصارُ إلى غيرِ هذا الأصلِ مِنَ الرَّدِّ بالتقريعِ والقسوةِ وذكْرِ اسمِ المخالفِ تعييناً ، إذا دَعتِ الضَّرورةُ لذلكَ ، وهذا إذا كانَ المخالفُ مِنْ أهل الكذبِ والعنادِ والتَّلبيسِ والإرجافِ ؛ كما هو شأنُ المنافقينَ والزَّائغينَ عَنِ الحقِّ .
يَقولُ الإمامُ الشَّاطبيُّ-رحمهُ اللهُ- في شأنِ تعيينِ أهلِ الزَّيغِ بأسمائِهم والتَّشهيرِ بهم- :
((حَيْثُ تَكُونُ الْفِرْقَةُ تَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهَا وَتَزْيِينِهَا فِي قُلُوبِ الْعَوَامِّ ، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَضَرَرِ إِبْلِيسَ، وَهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، فَلَابُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَنِسْبَتُهُمْ إِلَى الْفِرَقِ إِذَا قَامَتْ لَهُ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ ؛ كَمَا اشْتُهِرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ. فَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ فَوَقَعَ فِيهِ وَنَالَ مِنْهُ ؛ فَقُلْتُ: أَبَا الْخَطَّابِ: أَلَا أَرَى الْعُلَمَاءَ يَقَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ فَقَالَ: يَا أَحْوَلُ أَوَلَا تَدْرِي أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ابْتَدَعَ بِدَعَةً فَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُذْكَرَ حَتَّى تُحْذَرَ؟ ، فَجِئْتُ مِنْ عِنْدِ قَتَادَةَ ، وَأَنَا مُغْتَمٌّ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ قَتَادَةَ فِي عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ نُسُكِهِ وَهَدْيِهِ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي نِصْفَ النَّهَارِ ، وَإِذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ ، وَهُوَ يَحُكُّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ ؛ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! تَحُكُّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ إِنِّي سَأُعِيدُهَا. قَالَ: فَتَرَكْتُهُ حَتَّى حَكَّهَا. فَقُلْتُ لَهُ: أَعِدْهَا. فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ.
فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا تُرِكُوا، أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُمْ)) [18].
فالملتزمُونَ بهذه الشروطِ والآدابِ هم أهلُ الحقِّ في هذا البابِ ، وهم الذين أثنى عليهم اللهُ بقولهِ جلَّ و علا : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ...}[البقرة : 143] .
يقولُ الإمامُ ابن قيم الجوزية-رحمهُ اللهُ- :
((وهَدَى اللهُ الأمةَ الوسطَ لما اختلفوا فيهِ منَ الحقِّ بإذنهِ ...وهَذا بَيِّنٌ بحمدِ اللهِ عندَ أهلِ العلم والإيمانِ ، مُستقِرٌّ في فطرِهم ، ثابتٌ في قلوبِهم ، يشهدونَ انحرافَ المنحرفينَ في الطَّرفينِ ، وهُم لا إلى هؤلاءِ ، ولا إلى هؤلاءِ ، بلْ هُم إلى اللهِ تعالى ورسولِه مُتحَيِّزونَ ، وإلى محضِ سُنتهِ مُنتسبونَ .
يَدينونَ دِينَ الحقِّ أَنَّى تَوجَّهتْ رَكائبهُ ، ويَستقِرُّون مَعه حيثُ استقرَّتْ مَضارِبُه .
لا تَستفزُّهم بَدَواتِ آراءِ المختلفينَ ، ولا تُزلزِلهم شُبهاتُ المبطلينَ ؛ فَهُم الحكَّامُ على أربابِ المقالاتِ ، والمميِّزونَ لما فيها منَ الحقِّ والشبهاتِ .
يَردُّون على كُلِّ بَاطلهِ ، ويُوافقونَه فيما معهُ في الحقِّ ؛ فهم في الحقِّ سِلْمُه ، وفي الباطلِ حَرْبُه .
لا يميلونَ مَع طائفةٍ على طائفةٍ ، ولا يجحدونَ حَقَّها لما قَالَتْهُ مِنْ باطلٍ سِواهُ .
بلْ هُم مُمتثلونَ قولَ اللهِ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[المائدة : 8] .
فإذا كَانَ قد نَهى عبادَه أَنْ يَحملَهم بُغضُهم لأعدائِه أَن لا يَعدلوا عليهم -مَعْ ظُهورِ عَداوتِهم ، ومخالفتِهم ، وتكذيبِهم للهِ ورسولهِ- ؛ فكيفَ يَسوغُ لمنْ يَدَّعِي الإيمانَ أَنْ يَحمِلَهُ بُغضهُ لطائفةٍ مُنتسبةٍ إلى الرَّسولِ تُصيبُ وتُخطيءُ على أنْ لا يَعدلَ فيهم ، بلْ يُجرِّدُ لهم العداوةَ وأنواعَ الأذَى؟!
ولَعلَّه لا يَدري أَنَّهم أولى باللهِ ورسولهِ ، وما جاءَ بهِ-منه- عِلماً ، وعملاً ، ودعوةً إلى اللهِ على بصيرةٍ ، وصَبْراً منْ قومهم على الأذى في اللهِ ،وإقامةً لحجةِ اللهِ ، ومعذرةً لمنْ خَالفَهم بالجهلِ!
لا كَمنْ نَصبَ مقالةً صادرة عَنْ آراءِ الرِّجالِ ، فَدَعا إليها ، وعاقبَ عليها ، وعادَى مَنْ خَالفَها بالعصبيةِ وحميةِ الجاهِليَّةِ)) [19] .
واللهَ أَسألُ أنْ يَهدينا وإخواننا المسلمينَ إلى المسلكِ الحقِّ الوسطِ ، وأنْ يُعيذنا منْ مسلك الغلاة والجفاة ؛ إنه جوادٌ كريمٌ ، وهو نعمَ المولى ونعمَ النَّصيرُ .

----------------------------------------------
(1)-\"التبيان لأقسام القرآن\" : (ص/210) لابن القيم .
(2)-\"مجموع الفتاوى \" : (14/483).
(3)- إسناده صحيحٌ. أخرجه أبوداود في:\"سننه\": (2/13/ح2504).
(4)- أخرجه البخاري في:\"صحيحه\": (3/1148، رقم2981)، و مسلم في:\"صحيحه\": (3/109/ح2494) من حديث عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-.
(5)- أخرجه البخاري في:\"صحيحه\": (5/1949، رقم4776) من حديث أنسٍ-رضي الله عنه-.
(6)-\"مجموع الفتاوى \" : (11/435).
(7)-\"مجموع الفتاوى \" : (28/232).
(8)-إسناده صحيح.أخرجه الخلال في:\"السُّنَّةِ\": (2/373، رقم513).
(9)-\"مجموع الفتاوى \" : (4/425).
(10)-\"اقتضاء الصراط المستقيم\" : (1/457) .
(11)-\"سير أعلام النبلاء\" : (27/38) .
(12)-\"مجموع الفتاوى \" : (22/252).
(13)-\"مدارج السالكين\" : (1/403) .
(14)-\"مجموع الفتاوى \" : (2/132).
(15)-انظر :\"الردود\" : (ص/55-70) للعلامة بكر أبو زيد-رحمه الله- .
(16)-\"سير أعلام النبلاء\" : (21/278) .
(17)-\"درء التعارض \" : (3/374).
(18)-\"الاعتصام \" : (2/731).
(19)-\"بدائع الفوائد \" : (2/649-650).




الرَّدُّ على المخالفِ بينَ الغلاةِ والجفاةِ

أ.النميري بن محمد الصبار


- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه

طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه: طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه

د. خالد سعد النجار


بسم الله الرحمن الرحيم


عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ) [1]

العمل الصالح من آثار العقيدة السليمة. فالمؤمن يخاف الله ويطيعه، ويخالف نفسه ويعصى هواه، ويقًدم الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، هذا في تعامله مع الله تعالى، أما مع الناس فهو مفتاح خير، ودلال معروف، وسفير هداية، ورسول صلاح .. مغلاق شرِّ، ودافع بلاء، ومانع نقمة، وصمام أمان من غضب الرحمن.
والإسلام عندما أمرنا وكلفنا بالعمل الصالح، لم يجعله ماليا فقط يختص به الأغنياء، ولا علميا يختص به المثقفون، ولا بدنيا ينفرد به الأقوياء، ولكنه جعله عملا إنسانيا عاما يتقرب به كل إنسان من الله تعالى على قدر طاقته، يشترك فيه الفقير والغني، والأمي والمتعلم، والضعيف والقوي والمؤمن دائما مفتاح للخير، مغلاق للشر، راغب في رحمة الله وجنته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير ) [2]
قال الراغب: الخير ما يرغب فيه الكل، كالعقل مثلاً والعدل والفضل، والشر ضده، والخير قد يكون خيراً لواحد شراً لآخر والشر كذلك، كالمال الذي ربما يكون خيراً لزيد وشراً لعمرو، ولذلك وصفه اللّه بالأمرين.

قال الطيبي: والمعنى الذي يحتوي على خيرية المال وعلى كونه شراً هو المشبه بالخزائن، فمن توسل بفتح ذلك المعنى وأخرج المال منها وأنفق في سبيل اللّه ولا ينفقه في سبيل الشيطان، فهو مفتاح للخير مغلاق للشر، ومن توسل بإغلاق ذلك الباب في إنفاقه في سبيل اللّه وفتحه في سبيل الشيطان فهو مغلاق للخير، ومفتاح للشر.
قال المناوي في التعليق على هذا الحديث الجليل: ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى ) أي حسنى أو خيراً وهو من الطيب أي عيش طيب ( لمن جعل اللّه مفاتيح الخير على يديه، وويل ) شدة حسرة ودمار وهلاك ( لمن جعل اللّه مفاتيح الشر على يديه ) قال الحكيم: فالخير مرضاة اللّه والشر سخطه، فإذا رضي اللّه عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحاً للخير، فإن رؤى ذُكر الخير برؤيته، وإن حضر حضر الخير معه، وإن نطق نطق بخير، وعليه من اللّه سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير، يعمل خير وينطق بخير ويفكر في خير ويضمر خيراً فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه، والآخر يتقلب في شر ويعمل شراً وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شراً، فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء والثاني داء [3]

وما أكثر ما تكاثرت الأحاديث النبوية حول هذا المعني، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
- ( دليل الخير كفاعله ) [4]
- ( إن الدال على الخير كفاعله ) [5] يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف، قال الراغب: والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء.
- ( إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر ) [6] أي كأنها تركب ألسنتها على ألسنتهم بما في المرء من الخير والشر، لأن مادة الطهارة إذا غلبت في شخص واستحكمت صار مظهراً للأفعال الجميلة التي هي عنوان السعادة، فيستفيض ذلك على الألسنة، وضده من استحكمت فيه مادة الخبث، ومن ثم لم تزل سنة اللّه جارية في عبيده بإطلاق الألسنة بالثناء والمدح للطيبين الأخيار وبالثناء والذم للخبيثين الأشرار {ليميز اللّه الخبيث من الطيب} في هذه الدار وينكشف الغطاء بالكلية يوم القرار.
- ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ) [7]
- ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه ) [8] أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه.
وكون الإنسان مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر معناه أن يحفظ نفسه ووقته وجهده وما يستطيع لمنفعة الآخرين من المسلمين أيضاً، فزيادة على أن يستقيم في ذاته ينفع الله تعالى به المسلمين ومن حوله من الناس، بحيث يكون -كما كان أنبياء الله عز وجل- رحمة للعالمين، كما أخبر الله تبارك وتعالى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو رحمة لأقوامهم ومن حولهم كما كان كل الأنبياء.
وبهذا يعيش المسلم في مجتمعه ينبوعاً يفيض بالخير والرحمة، ويتدفق بالنفع والبركة، يفعل الخير ويدعو إليه؛ ويبذل المعروف ويدل عليه، فهو مفتاح للخير، ومغلاق للشر.
ومعرفة مفاتيح الخير والشر، باب عظيم من أنفع أبواب العلم، لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه، فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يدخل منه إليه، فجعل الطاعة مفتاحا لسكينة النفس، والاستغفار مفتاحا لاستجلاب الخيرات، والتذلل بين يديه جل وعلا مفتاحا لرحمته ومغفرته، والصدقة مفتاحا لإطفاء الخطيئة، والصدق مفتاحا للبر.
كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار، وجعل الخمر مفتاح كل إثم، وجعل الغي مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكفر، وجعل الكذب مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل، وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حلّه، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلال.
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة، وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر. فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له، والله من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل، لا يسال عما يفعل وهم يسألون.

الهوامش
[1] رواه ابن ماجة (195)، السلسلة الصحيحة (1332) [2] ( حسن ) حديث 4108 صحيح الجامع [3] فيض القدير للمناوي 1/254 [4]( حسن ) حديث 3390 صحيح الجامع [5] رواه الترمذي عن أنس( صحيح ) حديث 1605 صحيح الجامع [6] رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي ( صحيح ) حديث 2175 صحيح الجامع [7]( صحيح ) حديث 7085 صحيح الجامع [8] ( حسن ) حديث 2328 صحيح الجامع


د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com




- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

المولد النبوي بين الاتباع والابتداع

اللهم اهدني وسددني وثبتني
المولد النبوي بين الاتباع والابتداع


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, أحمده سبحانه وأشكره، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدراً, وأسماهم ذكراً، خير الأنام، وبدر الظلام، وماء الغمام، أحبك ربي فصلى عليك، عليك الصلاة وأزكى السلام، وعلى آله وصحبه أولوا النهى والأحلام، والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فإن مولده صلى الله عليه وسلم كان حدثاً عظيماً، لكن هذا الحدث انقسم الناس فيه إلى فريقين ما بين متبع لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، بتباع ما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر صلى الله عليه وسلم، وبين مبتدع ابتدع بدعاً حَسَّنَهَا له ذوقوه وهواه، وزيَّنَها لهُ شيطانُه ونَفْسُه، فنشأ عند بعض الضلال من الرافضة والصوفية وجهلة المسلمين ما يسمى بالاحتفال بيوم " المولد النبوي الشريف ".
وقبل التحقيق الموجز لهذه المسألة ينبغي أن يَعْلمَ الجميعُ أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات إلا وقد بين لنا أحكامَ الدين أكمل بيان وأوضحه، بل ما مات صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في السماء إلا وعند الأمة منه خبر.

في يوم الحج الأكبر أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم آيةً من كتابه بَيَّنَ فيها كَمَال الدينِ وتمامِهِ، فقال عز وجل:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة:3]، وتأملوا في قوله:{ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فجاء بلفظة الكمال هنا، مع ورود لفظة التمام في ذات الآية، فما الفرق بين الكمال والتمام في القرآن الكريم؟ علماً أن لفظة الكمال بسياقها في القرآن لم ترد إلا في موضعين، في آيات الصيام في سورة البقرة بقوله تعالى:{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ }[البقرة:158]، وفي هذه الآية، وتأملوا ذلك في كتاب الله عز وجل.
إن المُتأملَ في لفظة الكمال يُدرك أنَّهُ لا يُؤتى بها إلا في الشيء الذي لا يمكن أن يُزاد عليه، بل الزيادة عليه مما يُعاب لا مما يُستحسن، ومما يُرد بغير قبول، فإذا بلغ الشيءُ المثالَ الأَعلى يُقالُ له كَمُلَ أَو كَمَال، ولذلك قال الله هنا:{ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }.
أما التمام فقد يزاد عليه، والزيادة فيه مقبولةٌ أحياناً، ولذلك قال الله هنا:{ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فقد يُتم اللهُ على العبد نعمة، ثم يَمُنُّ عليه بزيادة نِعَم على نعمه التي آتاه، فتكونُ الزيادةُ والتمامُ له بالنِّعم مما يُقبلُ ويُحمد.

وعليه فإن الدين قد كَمُل فلا يَقْبَلُ الزيادة، فمن زاد في الدين فقد أنقصه، كما أن النقص فيه نقص، ولذلك جاء في الصحيحين من حديث أُمِنَّا عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ »، وفي رواية مسلم: « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ».
فهذا الحديث أصل من أصول الدين، فهو أصل لرد كل مُحْدَثٍ وبدعة، قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -:(فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن لهُ أصلٌ من الدين يُرجع إليه فهو ضَلَالَةٌ، والدين بريء منه، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادِ، أو الأعمالِ، أو الأقوال الظاهرةِ والباطنة) جامع العلوم والحكم(2/128)، فإذا تقرر هذا الأصل فنلج إلى مسألة الاحتفال بالمولد النبوي وحكمه:

الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعةٌ منكرة، يجب إنكارها والتحذيرُ منها، وليست كما قال بعضهم مسألة اجتهادية يسوغ فيها الخلاف بل لا خلاف في بدعيتها، وتظهرُ بدعيتُها من أوجه:

أولاً: ينبغي أن يُعلم أنه لا يثبت بدليل صحيح، أو نقل صريح من أهل التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، بل في تاريخ مولده - عليه الصلاة والسلام - خلاف مشهور، فلا يثبت أنه ولد في هذا التاريخ، بل الصحابة لم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين إلا منه، فهو أعلم الناس بمولده ومع هذا لم يُحدد لهم أي اثنينٍ هو؟ ولا سألوه هم، لأن الدين عمل لا حَدَث.
فلم يثبت على وجه التحديد تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذَكَر أهلُ السير في ذلك أقوالاً متعددة، قد اُشْتُهِر القولُ بأن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد رجحه بعض العلماء، إلا أن ذلك لا يثبت بوجه صحيح.

ثانياً: لا يُعلم من أحدٍ من أهل القرون المفضلة أنهم احتفلوا بالمولد النبوي، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خيرَ القرون بقوله:«خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » متفق عليه، والخيرية هنا في الاتباع، فلم ينقل في تاريخ الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وتابع تابعيهم، بل إلى ما يزيد على ثَلاَثِمِائة وخمسين سنة هجرية، لم نجد أحداً لا من العلماء، ولا من الحكام، ولا حتى من عامة الناس قال بهذا العمل، أو أمر به، أو حث عليه، أو تكلم به، بل ورد ما يدل على خلافه، وذلك أن عمر بن الخطاب  أرَّخ التاريخ بالهجرة النبوية، ولم يؤرخه بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل أهل الكتاب في عيسى عليه السلام ، ليَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّنَا أمةُ عمل، لا أمة أزمنة، وحوادث مجرّدة.
قال الحافظ السخاوي - رحمه الله تعالى - في فتاويه:( عمل المولد الشريف لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعدهم ). نقلا عن سبل الهدى والرشاد للصالحي (1/439) ط. وزارة الأوقاف المصرية.

إذن السؤال المهم: متى حدث هذا الأمر - أعني الاحتفال بالمولد النبوي - وهل الذي أحدثه علماءُ أم حُكَّامُ وملوكُ وخلفاءُ أهل السنة وممن يوثق بهم، أم من غيرهم؟
والجواب على هذا السؤال باختصار كما قرره أهل التاريخ والسير، ومعرفة أحوال الناس: أنه حدث في القرن الرابع الهجري على يد حكام الدولة العُبَيْدِيَّة الرافضية - المُدعية زوراً بالفاطمية - فهو ابتداع من دولة رافضية، ذات زورٍ وبهتان، وهذه البدعة نشأت عندهم من الغلو في آل البيت المتمثل في إقامة مولد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين  فَحَشَروا بدعة المولد النبوي بين هذه البدع تماشياً مع بدعهم.

ثالثاً: العبادات مبنية على التوقيف، فلا يُتعبد عز وجل إلا بدليل من الكتاب والسنة، فهل الله عز وجل تعبدنا بالاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم وبمولده، أم تعبدنا باتباعه والسير على منهجه واقتفاء أثره! يقول الله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } [الأحزاب:21]، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى -:( هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله، وأفعاله، وأحواله) تفسير ابن كثير (6/391).
لما ادعى قومٌ محبة النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاهم الله بهذه الآية:{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران:31]، فمن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يُطالب باتباعه، لا بالاحتفال بمولده.

رابعاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بهذا، أو ذَكَّرَ به، أم أنه صلى الله عليه وسلم حذر من مثل هذا التصرف من إطرائه وتجاوز الحد فيه؟! لقد حذر من ذلك على المنبر بقوله صلى الله عليه وسلم:« لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ » أخرجه البخاري، ولذلك يقول الله عز وجل:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور:63]. قال ابن كثير- رحمه الله تعالى -:( أي: فليحذر وليخْشَ من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا؛ { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة، { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: في الدنيا، بقتل، أو حَد، أو حبس، أو نحو ذلك) تفسير ابن كثير (6/90).
فنحن أُمرنا بالاتباع لا بالابتداع، وبالمحبة له صلى الله عليه وسلم لا بتجاوز الحد فيه، وبتوقيره لا برفعه عن منزلته، والذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله عز وجل صاحبَه وفاعلَه بقوله:{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [النساء:115]، والذي يفعل ما يُسمى بالمولد ويحتفل به لاشك أنه متبعٌ لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم.

خامساً: أيهما أعظم يومُ " المولد "، أم يومُ "البعثة"؟! يومُ المولد عظيم، لكنَّ يومَ البعثة أعظمُ، ففيه نزل عليه صلى الله عليه وسلم القرآن، وشُرِّفَ بالنبوة، ومع ذلك لم يحدد صلى الله عليه وسلم يوم البعثة لأنه ليس محلاً لعمل خاص، فكيف يُعظم يوم المولد؟!
والله تعالى لم ينوه في القرآن بمولده، وإنما نوه ببعثته - عليه الصلاة والسلام - فقال تعالى:{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [آل عمران:164].

سادساً: الاحتفال بالمولد النبوي يفتح الباب على مصراعيه للبدع الأخرى والموالد والاحتفالات، كما هو حال الجهلة الآن، من إقامة الاحتفالات بذكرى الهجرة، والإسراء والمعراج، ومعركة بدر، ومولد البدوي، والدسوقي، والشاذلي، حتى صار غالبُ دين هؤلاء احتفالات، ورقص وغناء، وذكريات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سابعاً: إن هذا الاحتفال مع كونه بدعة في الدين، فهو كذلك مشابهة للنصارى في احتفالاتهم البدعية بمولد المسيح عيسى عليه السلام في كل سنه، وقد نُهينا عن مشابهتهم في عباداتهم، وأعيادهم وعاداتهم التي يختصون بها.

ومما سبق يتبين أن هذا العمل ليس عليه هديُ النبي صلى الله عليه وسلم، وليس عليه هديُ خلفائه، ولا من جاء بعدهم بل هو بدعةٌ رافضيةٌ مقيتة، وحدثٌ صوفيٌ رذيل، وفعلٌ من جُهلاء قبيح، نسأل الله الهداية لجميع المسلمين، والنجاة من البدع والمحدثات... اللهم آمين.
والله تعالى أعلم وأحكم


وكتبه الفقير
إلى عفو سيده ومولاه
د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان
www.aljebaan.com






المولد النبوي بين الاتباع والابتداع

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان

- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google

نحو مُعلّمُين ربانيّبن

نحو مُعلّمُين ربانيّبن: لماذا المُعلّم والمُعلّمة !!!!
1. لأنه / لأنها .. القدوة للتلاميذ لفترة طويلة من اليوم ليست بالقصيرة , فإذا كان صالحا فإن ذلك من شأنه أن يساهم فى صلاح طلابه والأخذ بأيديهم نحو معانى الفضيلة .
2. لأنه / لأنها .. يجب أن يحظى بإهتمام شديد من مسئوليهم وموجهيهم فى المتابعة والإشراف وجمال التوجيه وأدبيات التواصل .
3. لأن نصائحهم وإرشاداتهم لطلابهم قد تؤثر أكثر مما هو الحال مع أولياء الأمور فى البيوت .
4. لأن المؤسسة التعليمية هى من أهم مؤسسات المجتمع , فيها تتربى الأجيال وتُكتشف المواهب وتٌفرز الطاقات وتنهض العلوم.
5. لأن مكانة المعلم / المعلمة فى الإسلام مكانة عظيمة , نلمسها فى قول الشاعر :

قُمْ للمعلم وفّهِ التبجيلَ --- كاد المُعلمُ أن يكون رسولا

6. لأن نظافة لسان المعلم / المعلمة ... سيتبعها نظافة فى ألسنة طلابهم المتعلمين على أيديهم .. والعكس بالعكس .
7. لأن المعلم / المعلمة ... ذا دور مؤثر خطير , فهو إما أن يكون سببا فى تفجير طاقات طلابه وإرتقائهم سُلّم التميّز فى العلم أو يكون سببا فى تحقيق الإحباط والإنهزامية فى نفوسهم , وهناك من الشواهد الكثير على ذلك التى تنتشر هنا وهناك فى أرجاء الدنيا .
8. لأن الإسلام دين يهتم بالعلم والتعليم , فأول مانزل من القرآن قوله عز وجل : إقرأ .
9. لأن أى أمة لايمكن أن تنهض بالجهل والتخلف , فتكلوجيا العلم والتعليم مُضافةً إليها منظومة القيم الأخلاقية هما دعامتان أساسيتان لنهضة الأمم ورُقيها ومتانة بنائها وتحقيق ريادتها .

لهذا كله وغيره ... نوجه رسالتنا موجزة , ومُعطّرة بكل حب وتقدير , وفى همسات أخوية لطيفة إلى هذه الفئة الهامة والعظيمة من فئات المجتمع .

’’ المُعلّمُون ’’

أخانا المُعلّم ... أختنا المُعلّمة

1. إجعل / إجعلى . ..
عملك طاعة لله ,. أخلص النية له وجددها دائما , تؤجر الخير الكثير من الله قبل التقييم الممتاز من مُدرائكِ ومُوجهى مادتك .

2. إنتبه / إنتبهى ..
لكل حركة وسكنة تؤديها داخل قاعة الدراسة .. فهى محسوبة إما لك أو عليك أمام طلابك , فكن منضبطا رزيناً .

3. إستمسك / إستمسكى ..
بالأخلاق الحميدة وتذكّر دائما أنك صاحب عمل عظيم ورساة هامة , تلقين التربية لطلابك قبل التعليم والدراسة .

4. لاتكن / لاتكونى ..
قاسيا على الدوام مع طلابك , فخير الأمور الوسط , وماوضع الرفق فى شيء إلا زانه ومانزع من شيء إلا شانه , وزِنْ الأمور بميزانها الصحيح تسلم وتسعد ويسلم طلابك ويسعدون .

5. لاتظلم / لاتظلمى .. ..
لاتعاقب الكل بسبب تصرُّف غير لائق من البعض , فكل يحاسب على مافعل وليس على مافعلوا , وتذكّر أن كلُُ ٌمنا سيحاسب يوم القيامة وحده على عمله وليس على عمل الآخرين , وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا من إهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تذر وازرة وزر أخرى .

6. إحرص / إحرصى ..
أن تستفتح يومك بأذكار الصباح ووردك القرآنى قبل ذهابك إلى مدرستك ففي ذلك البركة والحصن والأمان والعون , يذلل لك الله كل صعوبات التعامل مع طلابك , فيرتاحون لك وترتاح لهم , ويسعدون بك وتسعد بهم .

07. ضع / ضعى نُصب عينك ...
أن تكون أفضل مُعلّم , تميّز فى تحضير الدرس قبله وأَلمَِّ بكل جوانبه ولاتهمل .. وقدّم من نفسك القدوة لزملاتك المعلمون .

08. أحسن / أحسنى ..
إلى اليتامى من الطلاب , وإكسب الأجر في ذلك وإستشعر أهمية وبركة المسح على رؤوسهم , أشعرهم أنك لهم أباً / أماً قبل أن تكون / تكونى معلماً أو معلمة .

09. لاتفرّط / لاتفرّطى ..
فى زينتك أمام طلابك , توسّط فى ذلك وإعتدل , فالمجال للعلم وليس سباق لإستعراض الأزياء , فقد يكون من طلابك من لايجد مالا يشترى به لباسا يستره أو حذائا يرتديه أو يصنع به نظارة طبية تعينه على المذاكرة وتحصيل العلم .
وهذا لايعنى إهمال هندامك أو ظهورك بمظهر الزهد والتقشف وترقيع الملابس ولكننا قَصَدْنا الوسطية والإعتدال وليس الإستعراض والإبتذال .

10. لاتركّز / لاتُركّزى ..
فى قاعة الدراسة على مجموعة من الطلاب دون الأخرى وأَشْعِرْ كل طلابك بأنك للكل ولست للبعض , فلا محاباة لجار ولا خاطر لقريب وإنما الكل سواسية لهم حق الإهتمام منك .

11. إعلم / إعلمى ...
أنه من الطبيعى أن يكون من بين طلابك من هو ضعيف الفهم وبطيء الاستيعاب , وهؤلاء إرفق بهم وكن لهم عوناً على حسن الفهم وإحتسب الأجر عند ربك , وإصبر فأنت مُربّ للأجيال , والمربي لابد وأن يكون صابرأ محتسبا طويل البال واسع الصدر .

12. تمهل قليلا ..
إذا أهمل أحد طلابك فى أداء واجباته , فإبحث / إبحثى عن السبب أولا , فقد تكون مشاجرات قد حدثت بين الوالدين أتعبته نفسيا وشردته ذهنيا فحالت دون أدائه لواجباته , وقد تكون ظروفا طارئة قد ألمت به , وقد يكون وقد يكون , فتبيّن / تبيّنى قبل أن تُعاقب .. وكن / كونى معلما رحيما رؤوفا حنوناً .

13. إكتشف / إكتشفى ..
المواهب وأصحاب القدرات العالية من بين الطلاب , وكن / كونى لهم مُعينا على الإبتكار وتنمية الموهبة وكن سببا فى ذلك يكن لك الأجر الكبير والإسهام العظيم فى بناء حياتهم المستقبلية .. وكن على ثقة أنهم لن ينسوك من صالح دعائهم .

14. أُمحْ / أُمحِ ..
من تفكيرك شيء إسمه العصا لمن عصا .. فقد ولىّ زمان المُعلّم الذى يضرب ويُهين ويشتم ويَسُبّ ... وإعلم أن البّر لايبلى والذنب لاينسى والديان لايموت إفعل ماشأت فكما تدين تدان , فقد يأتى أحد أبناؤك عندما يصل لمرحلة التعليم أن يُهان من مُعلميه كما أهنت طلابك , ويُظلم كما ظلمت طلابك وقد ييأس من حياته كما يأَّست طُلابك من حياتهم .

15. إربط / إربطى ..
الطلاب دائما بحب الله والرسول وآله وصحابته والقرآن وروعة الإسلام , وأَعْلِمْهُمْ أن هذا الحب يوجب النجاة والنجاح فى دراستهم وحياتهم فى الدنيا والآخرة .

16. علّم / علمى ..
الطلاب كيف يتحدثون مع المُعلم ويتأدبون بأدبيات النقاش والحوار , فالأدب مطلوب فى اللسان والكلام قبل العلم وتحصيله .. إنما بعثت لأتمم مكارك الأخلاق .

17. كذلك كنتم من قبل فَمَنَّ الله عليكم ..
فى يوم من الأيام أخانا المعلم / أختنا المعلمة ... كنت طالبا وكان يٌسعدك ويُفرحك مُعلمك الذى كان يحبك ويهتم بك ويعينك ويشجعك ويحترم آدميتك , فتظل تتذكره دائما وتثنى عليه فى جموع الناس وتُرجع له الفضل فى أنْ علّمك كذا وكذا وبَذَرَ فيك من القيم كذا وكذا .. فكن أنت اليوم ذاك المُعلم , تبذر الخير وتصنع الجميل فلا ينساك طلابك ويحفرون شكلك وإسمك فى قلوبهم قبل ألسنتهم , فالكيّس الفطن من ترك أثرا جميلا يتذكره الناس به بعد عمر طويل , ليس من يترك أثرا سيئا قد يكون سببا فى إنزال الدعوات الحارقات عليه وتراكم الغضبات نحو شكله وفصله وعائلته .

18. إحذر / إحذرى ..
أن تتعمّد عدم التوضيح والبيان والتفصيل لدروس مادتك من أجل أن يضطّر الطالب إلى أن يطلب منك درساً خصوصياً .
وإعلم أنك مُطالب أمام الله بأن تُجيد الشرح والتفهيم والتبيين وإعادة شرح ماقد يطلبه منك طلابك , أى أُبذُل كل ماعليك إبتغاء مرضات الله كى يبارك الله لك فى علمك وتخصصك ورزقك وأولادك ..
ثم بعد ذلك إذا طلب منك الطالب درسا خاصا فهنا لاشيء عليك ولاحرج يُصيبك , فقد أديت الأمانة كاملة فى قاعة الدراسة وبذلت ماعليك وزيادة إلا أن طالبك هو الذى يحتاج إلى توسيع أكثر فى المدارك وزيادة أعلى فى الإفهام والتبيين .
ثم لا تنس أن تكون رحيما فى أتعابك التى تتقاضاها من طالبك فى درسه الخاص حتى يبارك الله لك , فالراحمون يرحمهم الرحمن .

19. أنتَ / أنتِ على ثغر ..
إعلم أخانا المُعلم / أختنا المعلمة .. أنك على ثغر عظيم , فأنتَ / أنتِ .. تساهم فى صنع الجيل إما الصالح وإما الطالح .. فلا تسمح لنفسك إلا أن تكون صانعا للقلوب التقية والأفكار النبيلة النقية , ساهم فى صُنع مُستقبل مشرق لطلابك فأنت صاحب رسالة عظيمة ومرام سامية .

خاتمة :
اللهم إني أسالك لكل من هُمْ فى ميدان التعليم والتدريس عامة بمراحله المختلفة من الروضة حتى الجامعة أن تمنحهم من النعمة تمامها ومن العصمة دوامها ومن الرحمة شمولها ومن العافية حصولها ومن العيش أرغده ومن العمر أسعده ومن الإحسان أتمّه ومن الإنعام أعمّه ومن الفضل أعذبه ومن اللطف أنفعه , اللهم كن لهم ولا تكن عليهم , اللهم إختم بالسعادة آجالهم وحقق بالزيادة آمالهم , وأقرن بالعافية غدوهم وآصالهم وإجعل إلى رحمتك مصيرهم ومآلهم وأصبب سجال عفوك على ذنوبهم ومُنَّ علينا وعليهم بإصلاح عيوبنا وإجعلهم ربانيون هادون رحماء رؤوفون بطلابهم , إليك يتقربون , وعلي طلابهم يحلُمون , وإجعل التقوى زادنا وزادهم وفي دينك إجتهادهم وعليك توكلهم وإعتمادهم وإلى رضوانك معادهم , اللهم وفقهم لتربية طلابهم على الخلق المتين والعلم المكين .
اللهم ثبتهم على نهج الإستقامة وأعذهم في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة , اللهم خفف عنا وعنهم ثقل الأوزار وأرزقهم عيشة الأبرار وإكفهم وأصرف عنهم شر الأشرار , وأعتق رقابنا ورقابهم وآبائنا وآبائهم وأمهاتنا وأمهاتهم وجميع طُلابهم من النار يا عزيز يا غفار يا كريم .

وصلى الله على سيدنا محمد معلم الناس الخير والهادى إلى كل برّ .

* كاتب إسلامى .





نحو مُعلّمُين ربانيّبن

نبيل جلهوم *

- تم الإرسال باستخدام شريط أدوات Google